كانت فيروز محقة لأن "الغضب الساطع آت" لكنه هذه المرة يتسرب من كل الزوايا الميتة، وربما من الكلمات التي تحول "المتعة" لـ"نزاع" سياسي، والقدرة على التواصل إلى قطيعة لا أستطيع رؤيتها إلا في سياق إقليمي وليس رياضي، فمن حق المجتمع أن يغضب، ومن يحقه عندما يخيب أمله أن يتحول نحو الشغب، ومن حقه أيضا أن يمارس استفزازا بعد انقياده وراء الحملات الإعلامية، فكل السياسات الرسمية أرادت لشعوبها أن يكونوا مستهلكي أزمات وأخبار.

لكنه غضب مختلف عن عفوية الظاهرة التي شاهدناها في ردود فعل بعض الشرائح من المجتمع المصري، أو حتى في "النزق" الذي مارسه "الجمهور الجزائري" بعد وقبل مباراته في السودان، لأنه غضب رسمي مفاجئ يحمل الكثير من الأسئلة... وغضب يهدد بإجراءات لم يمارسها في مواضيع سياسية، فنحن اليوم أمام "غزة" قبل العيد، وعلى جبهاتنا الأخرى "حروب تصريحات"، وتعليقات متناثرة، ونحن أيضا نعيد صياغة العجز في ساحات مختلفة يبتدعها البعض لنا.

ربما على البعض اقتراح إعادة هذه المباراة - الأزمة في غزة.... وعلى الجميع أن يتوجه إلى هناك وهو يحمل معه "خروفا" كي تصبح المباراة مناسبة لقرابين العيد الذي يأتي وسيذهب دون ان يترك معه أي فضاء جديد لطفل يفرح بالكرة ويتمنى الأمان أو التخلص من ذكريات الحروب المستمرة.

وربما علينا إعادة غزة لـ"رمزها" وسط المشادات الكلامية في الدوائر السياسية حول موضوع الشغب وليس حول "الاحتلال" و "الاغتصاب" وإعادة رسم القدس على خارطتنا السكانية والجغرافية، فعندما تظهر غزة على ساحة الملاعب العربية هناك احتمال بأن يتطور عشقنا لينتهي من "المباشرة" وتتحول الوطنية لتكوين مختلف قادر على فهم أن "المتعة" هي في حركة الحياة، تماما كما تتحرك الكرة دون توقف بين أرجل اللاعبين، وبنفس الطريقة التي تتحول فيها الخسارة إلى ربح والربح إلى خسارة، ولكن وفق سياق من رؤية الأدوار الكروية وليس السياسية.

غزة مجددا يمكن أن تصبح ساحة كروية لتذكير الجميع أن "الغضب الساطع" في التصريحات لن ينسي أحدا أن هناك معابر مغلقة وحالة تجويع وأمر واقع ومؤتمر انعقد في شرم الشيخ لكنه لم يمنح لإعمار غزة غير المزيد من الحصار..... فليغضب الشعب لأنه يمارس حقه، لكن الغضب الرسمي أمر آخر يمكننا أن نفهمه أو نفسره وهو لا علاقة له بكل مشاعر المجتمع الذي يعترض على الشغب الذي طال كرامته.