الواضح أن العلاقة بين مصر وقطاع غزة لم تعد مرتبطة فقط بمسألة إستراتيجية مصر الإقليمية، لأنه دخل في مساحة"الأمن الإقليمي" نتيجة "القواعد" التي تسعى سياسة "إسرائيل" لوضعها في "لعبة" الحرب والسلام التي ظهر منذ أول اتفاقية تسوية في الصراع العربي - الإسرائيلي أواسط سبعينيات القرن الماضي، والنتيجة المباشرة كانت استقرار الجبهات التقليدية، وحصل التحول في الصراع نحو مسرى جديد اتضحت ملامحه في الانتفاضة الأولى.

والحديث عن "الجدار" تتجاذبه الفتاوى الدينية اليوم في محاولة إضافية لإدخاله في مساحة من التشتيت، بينما تبقى "القواعد" الخاصة بـ"الأمن الإسرائيلي" خارج البحث أو القراءة أو حتى الإجراء السياسي، وهو ما يجعل مسألة مقاومة التطبيع لا معنى لها طالما أن التحرك ضد "إسرائيل" عربيا على الأقل يسير وفق قواعدها سواء بقيت المبادرة العربية أو تم سحبها، وسواء انقسم العرب بين الممانعة والاعتدال.

عمليا يمكن فهم الجدار بعيدا عن الفتاوى التي تؤكد أن التراث لم يعد سوى مجالا للانقسام، بينما يتحدد توازنه على تكوين خاص يمكن ان نراه في:

إبقاء فلسطين ضمن نطاق الحالة المقيدة، فهي محكومة بدول الجوار و بـ"إسرائيل"، فهي خاضعة في المزاج السياسي لاعتبارات لا علاقة لها بالاحتلال والحقوق، والواضح أن الوصول إلى حل الدولتين لم يخرج عن هذه القاعدة فحتى الآن هناك دولة "منزوعة السلاح" ودون عاصمة، وقاعدة "التقييد" هذه لا تحد فقط من القدرة على مجابهة العدو فقط، بل تجعل الإستراتيجية العربية بأكملها محكومة بمعادلة التوازن مع "إسرائيل" حيث يبدو العدو وكأنه شرط (افتراضي) لازم لبقاء الدول في الشرق الأوسط.

محاصرة النماذج الموازية في عملية الصراع، وهو أمر اختبرته منظمة التحرير الفلسطينية مع انطلاق الكفاح المسلح إلى أن أصبحت جزء من المعادلة داخل المنطقة وانتهى بها الأمر إلى لعب أدوار مختلفة ووظيفية لا علاقة لها بمسألة التحرير، وانتهى الأمر بتوقيع اتفاقية أوسلو. وما يحدث اليوم هو شكل مشابه مع حماس وباقي فصائل المقاومة بعد أن خلقت نموذجها الموازي، وكانت عاملا رئيسيا في الانتفاضتين الأولى والثانية، ولذلك فإن الجدار الفولاذي العازل هو تطبيق لقاعدة استبعاد "النماذج الموازية" التي تخل بظروف "الوجود الإسرائيلي".

سيبقى الجدار العازل من جميع الأطراف لأن معادلة الصراع لا تخضع لقواعد جديدة غير تلك الموجودة أساسا بحكم "الوجود الإسرائيلي"، وهو أيضا سيظهر على تهافت السياسة على حساب ظهور الفتاوى والفتاوى المضادة وكأننا في صراع يحدث في القرن الرابع الهجري.