"الإرهاب" لن يكون عنوانا جديدا رغم أنه يسجل تحولا في بنيته على الأقل، حيث بات واضحا انه لم يعد مجرد "ظاهرة" حرب بل يستوعب أيضا أزمة "النظام الإقليمي"، وعدم قدرته على رسم سياسته دون التماس "شرعية دولية، أو هذا على الأقل ما صورته حادثة "خوست" التي قام بها مواطن أردني.

ويبدو غريبا هذا "الترحال" في ظاهرة "الإرهاب"، حيث تتكسر القضايا أو تتداخل ليصبح "الانتقام" لمقتل زعيم طالبان في باكستان مطلبا لمواطن أردني، لكننا في العمق يمكن أن نجد نوعا من "إدارة الإرهاب" التي تشكل بحد ذاتها مسألة فيها الكثير من المؤشرات، ويبدو من الصعب اليوم إعادة رسم "الأفغان العرب" على نفس الخلفية التي ظهروا عليها بعد انتهاء حرب المجاهدين في أفغانستان ضد الجيش السوفييتي.

و "إدارة الإرهاب" ليس مصطلحا لا يملك انسجاما داخليا، فاستخدامه هو فقط للتعبير عن آلية العلاقة بين مفهومين:

الأول هو الإغلاق داخل عملية الصراع مع إسرائيل التي يعبر عنه بمصطلح السلام، والواضح هنا أن هذا الإغلاق أوجد تنظيرا موسعا داخل الثقافة الاجتماعية حول مسألة "الجهاد"، لأن المقاومة باتت محكومة بعناصر مختلفة ليس أقلها طبيعة النظام الإقليمي الذي استطاع جعل "الصراع العربي - الإسرائيلي" مشتتا وفق المحاور السياسية، وربما منسجما مع التوجه الخاص لمرحلة ما بعد الحرب الباردة. بالطبع فإن زعيم حركة طالبان باكستان لم يكن يحلم يوما بهذا المد الإقليمي، وربما لا يملك من الأدوات ما يمكنه من تشكيل تنظيم يصل ما بين الأردن واليمن ويطال حتى مواطنين في نيجيريا، فالرابط الوحيد بين كل هذه التحركات هو البيئة بالدرجة الأولى، إضافة لـ"الشرعية الجهادية" التي يمنحها من يعتصمون في الجبال.

الثاني هي الشكل الأمني الذي ينظم السياسة الشرق أوسطية، حيث لم تعد السياسة سوى العنصر التابع لمسائل الأمن المتشابكة مع عمق مفاهيم السلام والحرب مع إسرائيل، وتقدم مصر نموذجا واضحا لهذه الصورة الملتبسة التي جعلت الأمن "الإسرائيلي" جزء موضوعيا داخل النظام السياسي، وبغض النظر عن التفاصيل التي تحكم العلاقة ما بين غزة ومصر لكن ما يحدث اليوم يوضح أن الهاجس الأول بالنسبة للسياسة المصرية هي قيادة حماس في كونها فصيلا لـ"الإخوان المسلمين" وليس في اعتبارها حركة مقاومة.

إدارة الإرهاب في النهاية هي التحول الذي نشهده في صيغة العلاقة التي باتت تحكم الإرهاب، فهو لم يخضع يوما لقرارات قيادية من "أسامة بن لادن" ولا من زعيم حركة طالبان باكستان المقتول أو الحالي، لأنه في النهاية نتيجة أزمة اجتماعية داخلية تريد تحقيق "السلام الأمني" الذي يشتت المقاومة ويدفع باتجاه البحث عن جهادي افتراضي حتى ولو كان في إقليم "وزيرستان".