الحملة بدأت وفق صورة سوداوية، وما قاله مفتي سورية سماحة الشيخ أحمد حسون لا يحتوي أي موقع للتأويل إلا أن صورة الخطاب الديني على ما يبدو لم تكن قادرة على استيعاب حالة من "المبادرة"، وسواء اتفقنا في الرأي مع مفتي سورية أو اختلفنا إلا أن منطق الهجوم عليه هو الذي يدفع لقراءة الصورة التي يتم فيها رسم تصريحاته.

عمليا فإن محتوى الحملة يتركز في معارضة السوية الواحدة التي شمل بها الشيخ أحمد حسون مسألة الدين، فلو أنه استخدم جملة مختلفة يوضح فيها أن النبي محمد أمر بالإيمان بكافة الأديان لما اعترض عليه أحد، لكنه استخدم شأنا غير مألوف في مسألة الخطاب الديني السائد، فهو جعل الإيمان حالة عقلية باستخدامه جملة شرطية مبينا أن إيمانه نابع من الاقتناع العقلي بما قدمته رسالة النبي محمد، والأمر الثاني هو الحرية التي وضعها في جملته التي يتم تناقلها إعلاميا في مسألة "الكفر" إذا لم يكتمل الشرط الأساسي.

ومن المؤكد أن مفتي سورية لم يكن يتعمد فلسفة الأمور، لكنه قدم خطابا خاصا أمام أكاديميين مهما كانت انتماءاتهم، و في المقابل وضع حالة خاصة في مسألة الإسلام تبدو غير مألوفة في سياق ما نسمعه دائما عبر وسائل الإعلام، وعلى الأخص مع اختلاط مفهوم الجهاد وتداخله مع الصراع الدولي ومع وظائف السياسة، فظاهرة الخطاب الديني تقف أمام ثلاث أمور واضحة:

الأول وهي الأكثر شيوعا تتجلى في إعادة تكرار النصوص المتوارثة من الفقهاء، والاعتماد على فتاوى ربما تعود لمراحل مبكرة من تاريخ الإسلام، وغالبا ما تكون هذه النصوص لها علاقة بإيمان الفرد الذاتي مستخدمة أشكال الترغيب والترهيب الموجود في تفسير النص القرآني، وعندما يتطور هذا الخطاب فإنه يحاول ان يفسر بعض الظواهر المستجدة كي يعيدها إلى جادة الصواب كما يفعل الشيخ راتب النابلسي على سبيل المثال.

الثاني هي الخطاب المسلح بـ"المخيال الاجتماعي" على سياق ما قدمته نصوص "سيد قطب" و "عبد الله عزام" وصولا إلى قيادات القاعدة الحالية، حيث نشهد خطابا يتسلح بكل التاريخ ويستحضره أيضا حتى في الرسائل الموجهة، ويشكل هذا الخطاب نوعا جديدا من العزل للساحة الإسلامية عبر استخدام حالة فوقية رغم أن رجالاته متوارون عن الأنظار ومنقطعون ضمن مساحات ضيقة.

الثالث يريد الانسجام مع حركة الزمن مع الاحتفاظ برؤيته الدينية عموما، ومثل هذا الخطاب موجود في سورية بشكل واضح، ويمثل الشيخ حسون جزءا منه، وربما يعي هذا الخطاب جغرافيته الحقيقية في منطقة تحوي الكثير من التنوع، لذلك فهو يبقى على تماس مع الجميع دون ان يميزهم كـ"آخرين" بل كجزء ضروري من وجوده.

كلمات المفتي السوري تقنعنا أكثر بأننا نحتاج إلى إنتاج الخطاب الديني على المستوى العام، وإلى عدم الاكتفاء فقط برؤية الحملات التي تظهر كلما ظهر تصريح لأحد رجال الدين، فالمسألة ليست فقط بهذا الخطاب بل أيضا بكونه جزء من الإنتاج الثقافي العام.