من الممكن أن تصبح المناورات الإسرائيلية وتصريحات رئيس أركانها عنوانا إعلاميا عابرا، لكن المسألة بالنسبة لـ"إسرائيل" أعقد من مجرد استعراض للقوة، فما يحدث من ظهور الرئيس الأمريكي الجديد باراك أوباما حراك سياسي كشف عن مأزق استراتيجي عميق تترابط فيه الأزمات، فالحوار السياسي واللهجة الهادئة تجاه الشرق الأوسط بدأت برسم ملامح سياسية تنتظر خطوات صعبة ابتداء من الانسحاب الأمريكي من العراق، وانتهاء بحسم ملف إيران النووي، فهناك "بيئة حرب" تبدو أقوى من أي واقع آخر طالما أن المساحة السياسية ماتزال مغلقة، وهو ما يدفع "القادة الإسرائيليين" وتزامن مع الحديث عن صواريخ تنشر في الخليج إلى جعل "مناوراتهم" تحت ضوء إعلامي مكثف.

والحديث عن الحرب مع سورية له جانبه السياسي، فالبحث عن جبهة عسكرية لا يملك على أرض الواقع أي معطى حقيقي طالما أن القوات الدولية ماتزال موجودة، لكن هذا الأمر لا يلغي احتمال فتح هذه الجبهة، و "إسرائيل" تنظر باتجاه الخيارات التي اتضحت خلال السنوات الماضية، فالمسألة بالنسبة لها لم تعد خاضعة لضرورة تجميد الجبهات الكلاسيكية طالما أنها تريد حسم حربها "إقليميا" وليس مع سورية فقط.

بالطبع فإن التحضيرات "الإسرائيلية" توضح ملامح "بيئة الحرب" التي تتكون وفق خطوط متقاطعة، وإذا كانت تصريحات وزير الخارجية الإيراني منوشهر متكي من أنقرة تستبعد هجوم أمريكيا على إيران، ففي المقابل تبدو احتمالات أي حرب قادمة مختلفة نوعيا عما حدث من قبل، فالتفكير بضرب إيران سيكون في النهاية إعادة لرسم الموازين الإقليمية وهو يتطلب أمرين أساسيين على الأقل بالنسبة لـ"إسرائيل":

الأول عدم ترك احتمالات الحرب معزولة عن القوى الإقليمية كما حدث في عام 2006 خلال حرب تموز، أو 2008 - 2009 خلال حرب غزة، فالمقاومة شكلت مشروعا سياسيا ولا يمكن محاربتها بشكل محدود أو ضيق، وإذا كانت الظروف الحالية لا توحي بإمكانية شن حرب إقليمية تشمل إيران وسورية والمقاومة في لبنان وغزة، لكن الاهتزاز الذي يمكن أن يحدث هو مع بدء التحرك الأمريكي عاجلا أو آجلا سواء في العراق أو إيران أو حتى لحسم مسألة العلاقات مع سورية.

الثاني تشمل بيئة الحرب أيضا تثبيت واقع يقود إلى مشروع سياسي جديد، فالواضح أن مسألة التسوية وحل الدولتين وكل ما ترافق سابقا مع مشروع الشرق الأوسط الجديد لا يصلح للمرحلة القادمة ما لم يتم كسر الأدوار الإقليمية السابقة وإعطاءها وظائف الجديدة، وهذا المر لا يتعلق فقط بإيران بل أيضا بتركية بحيث تبدو الساحة ضمن احتمالات محسوبة وليس مفتوحة كما حدث خلال مرحلة الرئيس السابقة جورج بوش.

"بيئة الحرب" يتم رسمها بشكل سريع رغم كل حالات الانفراج التي شهدتها المنطقة، سواء في لبنان أو عبر العلاقات العربية التي نشطت بعد حرب غزة العام الماضي، فالموضوع ليس هجوما إسرائيليا وشيكا بل أيضا "تحولات سياسية" ربما تضمن لأي حرب قادمة تغير المسار السياسي الذي تعرقل منذ احتلال العراق.