هو نصف حديث وربما نصف تصريح أو لقاء، وربع سياسة تطفو على مساحة الشرق الأوسط، وبين ما ينقله الإعلام وتفسيرات ما حدث فإن موضوع "التطبيع مع إسرائيل" يظهر وكأنه تطبيع مع "النظام الدولي"، وانسجاما مع مؤسساته المتشعبة التي لا تدير العالم، لكنها ترسم ملامحه إعلاميا.
البعض يرى أن المنتديات الدولية أصبحت جزءا من الدبلوماسية ولنا أن نسأل عن حجم الدول المشاركة، وهل حضور مندوبين يجعل من بعض الدول تحمل "نفوذا" أو "ثقلا" سياسيا، وفي المقابل هل الحضور إلى جانب الوفود الإسرائيلية يشكل نوعا من التوازي؟ إنها مجرد أسئلة وليست دعوة للمقاطعة لأننا نادرا ما نقرأ المؤتمرات والندوات قبل حدوثها، أو نضعها على مساحة المصلحة الخاصة بنا، بدلا من أن نراها في منطقة الظهور الإعلامي، وتشكيل الحضور الدولي، وما حدث في منتدى الأمن في ميونخ وقبله في دافوس، يشكل نقطة لقراءة ما يمكن أن يحدث ثم نبحث عن المصلحة التي تظهر نتيجة وجودنا داخل المؤتمرات.
الواقع الدولي فرض علينا التواجد على التوازي مع "إسرائيل" في معظم المحافل الدولية، لكن هذا التواجد لم يخلق الاحتكاك الذي نراه الآن، وكان المنطق الدولي يحاول تجنب الوقوع في مواقف محرجة، لكن على ما يبدو فإن السياسة العربية عموما مدمنة مؤتمرات وتجمعات دولية، وبشكل يوحي أن التواجد أصبح غاية أساسية، كما ان التواصل الدبلوماسي منفصل عن الفعل السياسي في المنطقة، فبعض الدول التي تعتبر أكثر من مجرد حليف للولايات المتحدة لم تستطع رغم حضورها الكثيف في كل المناسبات، وربما تنظيمها لمؤتمرات في الولايات المتحدة، من الاستفادة لتمرير المبادرة العربية" أو وضعها على أجندة السياسة الدولية.
المشهد العام يوحي بأن الحضور الدبلوماسي في المحافل الدولية له مسار مختلف، والاحتكاك مع "مندوبي إسرائيل" لم يعد شانا محتملا بل مسارا يشكل غاية بذاته، فهو يقدم التكوين السياسي الذي يمكن النفاذ اليه بعيدا عن مسألة "الاحتلال"، فالمقاطعة او رفض التطبيع ربما يملك غاية أساسية هي عدم شرعنة الاحتلال أو تحويله لعملية سياسية قابلة لأن تصبح واقعا دائما.
لسنا بحاجة لأن نقاطع العمل الدولي، او نحجب أنفسنا عن المؤتمرات، لأن المهم في النهاية هو معرفة أن قوتنا ليست في التواجد الدولي بل بفعلنا السياسي وقدرتنا على التصرف بإمكانياتنا وفق إستراتيجيتنا السياسية، ولنا في النهاية أن نختار بين ما قام به الأمير تركي الفيصل من الدخول بنعومة داخل المحفل الدولي، فيصبح الاحتلال سيدا للموقف نحتاج بحضرته لتبرير مواقفنا منه، أو أن نقدم اعتراضنا المبني على منهج سياسي وعندها لن نضطر للظهور بموقف الضعيف أو المستعد لتناسي حقوقه في أي محفل دولي.