المواجهة بالتصريحات لا تحجب أزمة حقيقية في مسألة المواجهة القادمة، فتهديدات "إسرائيل" وكل ما قيل بعدها هي مظاهر سياسية تتكرر أحيانا، لكن مسألة المناورات العسكرية إضافة للقطع البحرية الإسرائيلية التي وصلت "الخليج العربي" تقدم ملامح أخرى ربما لا تتصل مباشرة بـ"التهديدات"، لأنها تشكل جزء من السيناريو الذي يرفع احتمالات المواجهة الإقليمية.

وهناك الكثير من التقارير التي تستبعد أي مواجهة حالية، وذلك اعتمادا على الواقع الأمريكي الحالي، وتستند أيضا للمؤشرات الاقتصادية الأمريكية إضافة للبرامج الزمنية لسحب القوات الأمريكية من العراق، فأي حرب قادمة ستغير الأجندة الأمريكية بالكامل، وربما تخلق أزمة في مسار الحرب على الإرهاب في أفغانستان، لكن هذا الأمر يضع السياسات الأمريكية ضمن إطار صارم، ودون إدخال عاملين أساسيين:

الأول أن الولايات المتحدة متواجدة عسكريا في المنطقة وهو واقع يفرض تحولات سياسية دائمة، فالانسحاب من العراق لا يعني الانتهاء من مسألة القواعد العسكرية الأمريكية في الخليج، والانتشار الأمريكي في العراق الذي يبدو عاملا يكبح المواجهة الإقليمية يمكن ان يتحول إلى عامل مساعد في أي لحظة تتحول فيها المعطيات الإقليمية، أو يحدث خللا إضافيا في ميزان القوة، وهو امر وارد طالما ان كافة الأطراف لم تصل بعد لصيغة يمكن أن تساعد على بداية الحل، فالمناورات الإسرائيلية يمكن فهمها في هذا السياق على أنها تلويح بكسر الميزان السياسي القائم حاليا ولو عبر "الإيحاء العسكري"، فهو عنصر يحمل تعبئة بقدر ما يحمل من زيادة في التوتر تدفع بالقرارات السياسية إلى نقطة "الارتياب"، حيث يصبح القرار السياسي موجودا ضمن احتمالات متساوية ما بين الحرب والتهدئة، وفي هذه الحالة لا يمكن تقدير المواقف بدقة وهو عادة ما يدفع تلقائيا باتجاه المواجهة.
الثاني طبيعة التنافس الأمريكي الحالي، فالإدارة الأمريكية التي يحكمها الديمقراطيون تعاني من التأثيرات القوية للجمهوريين وهو ما يجعل إستراتيجية الرئيس الأمريكي باراك أوباما تتأرجح دون الوصول إلى قرارات نهائية وحاسمة في مسألة التعامل مع ملفات الشرق الأوسط، ومع نهاية العام الحالي ستدخل هذه الإستراتيجية الأمريكية مرحلة جديدة مع الانتخابات النصفية التي يمكن أن ترفع أو تخفض من احتمالات المواجهة.
سيناريو المواجهة يتم التحضير له بدقة، لأن مسألة الحرب الإقليمية ليست مسألة عادية، والولايات المتحدة إضافة لـ"إسرائيل" لا ترغبان في تحول أي مواجهة إلى حرب إقليمية لا يمكن تقدير نتائجها على الميزان السياسي في الشرق الأوسط، لكن الأمر الأكيد أن الميزان الحالي هو بحد ذاته مشكلة لأنه قادر على تعطيل المشاريع السياسية دون الوصول إلى حلول بديلة، وهو ما يجعل استخدام الحرب كممارسة للسياسة بوسائل أخرى احتمالا يتبلور بشكل واضح في العديد من الدوائر الإستراتيجية رغم ان معطيات مثل هذه الحرب ليست متوفرة داخل سياسات الإدارة الأمريكية الحالية، فالمواجهة يمكن أن تتخذ أشكالا مختلفة وليست بالضرورة حربا عسكرية مباشرة، فعندما تعرقل الظروف مثل هذه المواجهات تنشط حروبا أخرى تلعب في الاستخبارات دورا فاعلا، ونحن شهدنا حوادث كثيرة في المرحلة الحالية ابتداء بالاغتيالات وانتهاء بإشعال الأزمات، لكن سيناريو المواجهة واضح على الأقل في المناورات المترافقة مع التواجد العسكري الكثيف في المنطقة.