العد التنازلي بدأ رغم أننا لا نعرف تماما ما هو الرقم الذي تستخدمه الولايات المتحدة في هذا الأمر، ولكن الواضح أن "إسرائيل" تملك رقما مختلفا بدأت به بانتظار حرب أو ضربة وقائية حسب بعض المصطلحات ضد إيران، فالنشاط الأمريكي لا يقتصر فقط على السياسة، وجولة وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون تزامنت مع مباحثات الأدميرال مايكل مولن رئيس هيئة الأركان المشتركة للقوات الأميركية في "إسرائيل"، ورغم أن الظرف الإقليمي وربما الدولي لا يتيح فرصا للحرب لكن هناك إرادة في رسم سيناريو تجاه إيران، حتى ولو كان تطبيق مثل هذا السيناريو سيستغرق وقتا.
والمسألة تبدو بصورتها الكلية إمكانية ظهور عامل إضافي في التوازن الاستراتيجي في المنطقة، فالسلاح النووي وفق التجربة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية لم يستخدم لكنه رسم التوازنات العالمية، والسلاح النووي أيضا رغم التحفظات حول انتشاره كان يظهر في مناطق التوتر بشكل سريع، فمسألة السلاح النووي الإيراني أصبحت اليوم تخضع أيضا لعد تنازلي، ومن المؤكد أنها لن تفرض فقط على "إسرائيل" حالة جديدة بل على كل المنطقة وعلى التواجد الأمريكي بها، وهو ما يجعل الولايات المتحدة تتعامل مع الأزمة بشكل هادئ لأن هذا الأمر يحتاج إلى اتزان في التعامل معه، لأنه عامل خطر وقادر على تغير وجه المنطقة، ولكن في المقابل فإن استيعاب نتائج أي ظهور لقوة نووية في المنطقة لا يمكن إيقافه بالضغط الدولي، فإذا لم تكن الدول الشرق أوسطية قادرة على التعامل معه وتوظيفه لصالح التوازن والاستقرار، فإن الولايات المتحدة و "إسرائيل" ستعجز هي الأخرى عن التعامل معه بشكل هادئ أو دون مغامرة عسكرية، وخلال جولة كلينتون ظهر مؤشرين على مسألة التعامل مع هذا الأمر خليجيا:
الأول وهو الأهم ظهر من المملكة العربية السعودية التي توقفت أمام ضرورة اتخاذ إجراء سريع (سياسي بالطبع) ضد إيران وهو أمر أوضحه وزير خارجيتها خلال المؤتمر الصحفي المشترك مع هيلاري كلينتون، وهذا الموقف يوضح مدى الخطورة التي يمكن أن تدخل بها المنطقة جراء التناقض الإيراني - السعودي.
الثاني هو ما أوضحه وزير الخارجية القطري الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني الذي اعتبر المنطقة لا تحتاج إلى صراع جديد، ومع تقليل وسائل الإعلام من التناقض بين الموقفين السعودي والقطري، لكن الدوحة على ما يبدو لا تشعر بقلق يوازي قلق الرياض في هذا الموضوع.
وفق هذا المشهد فإن استيعاب ما سيحدث في المنطقة لا يمكن أن يتحقق، فدول الخليج العربي تعتبر أن هذا الموضوع يخصها وحدها، وتتم معالجته بغض النظر عن باقي دول الشرق الأوسط وعلى الأخص سورية ولبنان والأردن وحتى مصر، وهي الدول التي يمكن أن تتأثر بشكل مباشر من النتائج الخطرة لأي عمل غير محسوب ضد إيران، فالتأزم الحالي ليس خليجيا، والملف النووي الإيراني كما هو عامل سيعيد التوازنات بين الدول العربية وإيران، فهو أيضا سيصبح نقطة تحول في الصراع مع "إسرائيل" كونها الدولة النووية الوحيدة في المنطقة، فالمشروع السياسي المقابل لإيران لا يمكنه الانطلاق من الخليج بل من الجغرافية التي هي على تماس مباشر مع نقطة الصراع الأساسية، وجولات كلينتون ومولن هي في النهاية معالجة دولية لا تصب في الضرورة في صالح المنطقة حتى ولو بقيت إمدادات الطاقة مستمرة.