ما قالته وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون في السعودية سواء عبر تصريحات أو محاضرة هو تعبئة من النمط التقليدي، فإدارة الأزمة مع إيران من الرياض أو أي عاصمة خليجية تقدم النموذج المستمر منذ أيام الاتحاد السوفياتي، ففي هذه الجغرافية تمت التعبئة ضد المشروع السياسي في زمن الرئيس جمال عبد الناصر، ومن نفس المنطقة بدأت الحملة ضد الانتشار السوفياتي "الملحد"، وفي الثمانينات انطلقت عملية كبرى أيضا لصناعة "المجاهدين" الذين يمثلون اليوم "واقع الإرهاب" سواء في باكستان أو أفغانستان، أما كيف مزجت كلينتون بين هذا الإرهاب والملف النووي فهو أمر ربما يفسر بعضا من اختيار الولايات المتحدة لمنطقة الخليج للقيام بعمليات التعبئة.
بالطبع فإن السعودية اليوم مختلفة تماما عن مرحلة الخمسينيات، وخطاب هيلاري كلينتون كان أمام طالبات في الجامعة، بينما كان "جون فوستر دالاس" مضطرا لمخاطبة جمهور مختلف أو التباحث مع رسميين مازالوا في بداية الخط السياسي، لكن نقطة الالتقاء هي في تصور "الجزيرة العربية" على أنها "خط التجاوز" لأي توازن إقليمي قادم، فهي تشكل الحالة السياسية التي يمكن البدء بها وذلك بغض النظر عن أية سياسة أخرى أو صراع خارجها، وهيلاري كلينتون لم تكن مضطرة للحديث عن السلام المعطل أو ارتباط الصراع مع إيران بالوجود الإسرائيلي، لأنها في النهاية كانت ترسم تاريخا جديدا للصراع، وهذه الآلية كانت ممكنة أيضا في زمن الرئيس الأمريكي "أيزنهاور"، فالكراهية لـ"إسرائيل" تبدو منفصلة عن أي مشروع سياسي في منطقة الخليج.
عمليا فإن هذا التكوين السياسي لا يدفع فقط للدهشة بل أيضا للنظر إلى "الوظيفة" السياسية التي ظهرت مقترنة بمصطلح "الشرق الأوسط"، حيث يبدو أن موضوع التقسيم السياسي يتراكب مع تشتيت الاهتمام، وأن مشاكل الشرق الأوسط رغم إصرار الكثير من السياسيين على وضعها في سلة واحدة، لكنها تخضع لتشتيت مشابه، وهو ما يجعل الحملات الأمريكية تنطلق دائما من خارج جغرافية الأزمات وذلك بحجة "الثقل السياسي" أو "المالي" أو غيره من الأمور.
هيلاري كلينتون حملت معها قلق تبدل التوازن في المنطقة وليس فقط مسألة الملف النووي الإيراني، وهو قلق جامع لا يمكن النظر إليه من زاوية واحدة واختصاره بأن إيران تصدر الإرهاب وانها تحولت إلى ديكتاتورية!! فالمسألة أعقد من رسمها وفق صراع قادم لا نعرف بالضبط كيف سيكون تأثيره على مجمل مصالح المنطقة.