هناك ما يدعو لرؤية الشرق الأوسط من جديد، فالمسألة لا ترتبط فقط بزيارة أحمدي نجاد إلى دمشق الخميس المقبل، بل أيضا بترابط الاحتمالات التي توازي ما بين الحرب أو انطلاق "التسوية"، فالمؤشر الأساسي لقدوم نجاد هو نوعية الخطر سواء كان متعلقا بمسألة الملف النووي الإيراني، أو حتى ببحث "إسرائيل" عن كسر الشكل الاستراتيجي الذي ظهر بعد انتهاء الحرب على غزة، فالتصريحات التي انطلقت من "إسرائيل" منذ أسبوعين تقريبا ليست رسائل فقط، بل تقدم "تصور" أركان السياسة فيها لـ"العدو" الذي ظهر هذه المرة من خلال البوابة السورية.

هذا التوجه الإسرائيلي يقدم المأزق الاستراتيجي على جبهتين وليس مرتبط فقط بالإخفاق الإسرائيلي في حربين متتاليتين، لأن الأسئلة الصعبة لا تتعلق بجانب واحد، وما حدث خلال السنوات الخمس الماضية كان انطلاق مسارات على هامش العملية السياسية في الشرق الأوسط، فمفاوضات "التسوية" غير المباشرة بين سورية و"إسرائيل" انطلقت بغياب اللاعبين الكبار، والحلول التي ظهرت في لبنان بدأت بعيدا عن الأدوار الإقليمية التقليدية، وفي النهاية بدت المنطقة أمام استحقاق لا يريد أحد أن يواجهه:

على الجانب الإسرائيلي فكافة الحلول الإستراتيجية المتبعة منذ عام (1973) لم تعد مجدية، فعلى صعيد الضربات الوقائية فإنها تخضع اليوم لاختبارات الردع من الجانب الآخر، سواء صواريخ حزب الله أو حتى من الجانب السوري الذي رد على التهديدات بشكل مباشر وبصيغة حاسمة. ومن الناحية السياسية لم يعد بالإمكان إيجاد اختراق سياسي من خلال المفاوضات "المرحلية" في عملية التسوية، فهي أنتجت "أزمات متعبة" بالنسبة لـ"إسرائيل" سواء في قطاع غزة أو حتى في الضفة الغربية التي بقيت مسرحا لعمليات عسكرية واعتقالات رغم وجود السلطة الفلسطينية الموافقة أساسا على عملية التسوية.

في الجانب الآخر الذي غالبا ما يتم التحدث عنه بأن "الطرف الممانع" فهناك أيضا احتمال الوصول إلى "عتبة الحرب"، رغم كل المظاهر التي توحي بانفراج عام بالنسبة لسورية على الأقل، فهذا المظهر السياسي لا يبدو مرتبطا بالتكوين الاستراتيجي للشرق الأوسط بعد احتلال العراق، وهو ينقل في جانبه الأساسي نشاط الدور السوري إقليميا دون ان يعني هذا الموضوع عدم إمكانية التصادم مع "الإرادة الإسرائيلية" في إيجاد ترتيبات خاصة بها تمنحها هامش "المبادأة" في خوض معارك محدودة. لكن العامل الأهم هو إمكانية دخول إيران "النادي النووي" وذلك بغض النظر عن مسألة "الأسلحة النووية"، فهو استحقاق تريد "إسرائيل" حسمه مع سورية تحديدا، وهو أمر يتطلب وفق قادة "الدولة العبرية" حالة عداء بين طهران ودمشق كي لا يظهر توازن استراتيجي يضم في عناصره "الموضوع النووي".

فالأزمة الإستراتيجية تبدو في العتبة التي وصلت إليها المنطقة بحيث يمكن ان نشهد اصطفافا تقليديا لكنه يحوي عوامل توازن إضافية، وهو ما يجعل رؤية "الحرب الإقليمية" ممكنة رغم كل الظروف الحالية التي تحاول نفيها، فالملف النووي الإيراني لا يعني العالم فقط من ناحية امن الخليج، فالأهم هنا هو تحول الدور الإقليمي الإيراني وبشكل يؤثر على "إسرائيل"، وحتى على مسألة التسوية التي لم تعد تملك "تصورا" واضحا في ظل التطورات التي حصلت خلال السنوات الثلاث الماضية.

نجاد سيصل إلى دمشق مع مؤشرات الحرب والسلام التي تظهر وفق سياق مختلف لأنها تعني صياغة المعادلة الإقليمية بشكل يتم فيه الخروج من الحلقة الوحيدة الذي استمرت الأزمات تدور فيها منذ حرب عام 1973.