يبقى التداعي عبر الروايات ومن خلال الصورة التاريخية التي لا تتكرر لكنها ترسم ملامح متشابهة باختلاف ما نواجهه، ويبقى المسيح الذي صلب من جديد في رواية نيكوس كازانتزاكس مسألة للتفكير في مسار الحياة التي تأخذ بعدا أخلاقيا فقط، بينما يبدو التمرد وكأنه عاصفة داخلية، أو فورة في خلايا الجسد الذي أنهكته المواقف بدلا من السنوات، فعندما يظهر الخروج من مساحة الأخلاق المرسومة تاريخيا ودينيا وثقافيا فإن زمنا إنسانيا جديدا يبدأ بالظهور.
والقضية ليست فلسفة أو جدلا في مساحة العقائد، لأننا نتربى عبر النصوص على الأقل على "الإيثار"، ونفهم من السنوات الأولى في المدرسة أن المدينة الفاضلة هي بناء في داخلنا مهما كانت الظروف من حولنا مجحفة، ونقرأ عن البطولات وكأنها العلامات الوحيدة التي عليها أن ترشدنا، لكن الصراع يبدأ مع تحول الثقافة إلى كلمات متطايرة، والعقائد إلى مصالح لحجزالحسنات واكتشاف حجم الحوريات التي تنتظر البعض في الجنة، فحقوق الآخرين لم تظهر في مساحة النصوص التي تعرفنا عليها إلا عندما تتجلى بشكل فاجر، فمن يستطيع الاحتفاظ بمسيحه داخله كي يواجه العالم بخده الأيمن؟ أو من هو القادر في لحظة الموت على منح قطرة الماء لجريح آخر وسط المعركة؟ وهل مسيرة "ويؤثرون على أنفسهم ولو بهم خصاصة" ستنطلق بنا إلى عالم جديد؟
أزمة أخلاق أو لياقة تجتاح العالم وتجتاحنا مخلفة فوضى في رؤية العلاقات التي أصبحت مجرد ابتسامات سريعة، وإذا كان البعض قادر على إيجاد نظام حقوقي منسجم مع التحول فإننا على ما يبدو غارقون في وهم "المسالمة" أو المسايرة أو الصبر الذي لم يكن يوما مفتاح فرج، فأزمة الأخلاق هي "أزمة رؤية الذات" المتفردة عن الآخرين، والقادرة على التفوق عليها وحتى حجز مكان لنفسها في الماوراء بعد أن استطاعت حجز مساحات فسيحة في الدنيا. وأزمة الأخلاق أيضا هي في الاعتقاد الخاطئ بأن تقبل الآخرين سيجعلهم مقتنعين بوجهات نظرنا، وأن الصراع الذي نخوضه هو أكبر من العلاقات الفردية التي تحكمنا، لكننا نكتشف فجأة أننا أمام حصار مزمن حيث ينتهي الأمر عند حدود تحمل الإساءة سواء كانت من أشخاص أو من حدث سياسي يدخلنا في الافتراض.
أزمة أخلاق في العشق والجنس والحياة العامة لأننا نملك تفصيل جاهز لرؤيتنا، فيصبح الآخر مؤهل للدخول إلى عالمنا أو الخروج منه وفق سياق قدرته على تقريعنا ولو فجورا، فإذا لم يكن الناس وفق قانون واحد فإننا لن نستطيع الانسجام مع علاقاتنا، ونصبح في داخل الحياة التي تحمل القلق والتحدي وفهم الآخر، وهي مسائل متعبة لا حاجة إليها في الحركة التي تحكم مسيرتنا...
هي أزمة أخلاق... أو أزمة التخلي عن "المسيح" القابع فينا، فيظهر تارة بالمصلحة العامة أو حتى في التعايش مع ظرف يحتاج إلى زمن كي نغيره، او مع هم قومي يسطحه البعض فيجعلنا نقف على هامش الحياة، لكن المسيح لن يصلب من جديد لأنه قادر على تجنب الصفعة القادمة.