ا لم يعد أحد قادر على "الغناء"، أو تزيين الأقصى بـ"تراث" يتراكم لتسجيل تاريخ لا علاقة له بمدونات السلام، ومنفصل عن الكلمات التي تنساب في نشرات الأخبار، وبعيد أيضا عن "الجهاد المقدس" ضد سويسرا التي أطلقتها الدولة التي ستستضيف القمة العربية القادمة، وبالفعل فإن الجهاد ضد سويسرا يستحق أن "يُكتب" لأنه يملك الجرأة الكافية للتعبير عن "خواء" الخطاب، وعدم القدرة على الغناء، أو الرقص على إيقاع احتراق ذاكرة الأقصى والحرم الإبراهيمي وكنيسة القيامة.

عدم القدرة على الغناء ليست ترفا وسط قسوة الاحتلال، أو تراكب المقاومة مع نزعة السلام، لأننا على ما يبدو فقدنا الإيقاع الذي يربطنا مع الأرض، وضيعنا رغم الغضب في القدس اللحن الذي يجمعنا فنؤرخ للمدينة أو تقوم بتأريخنا أمام مساحة الخوف التي تجتاح العالم العربي، فـ"الحلم المقاوم" أصبح على ما يبدو اختصاصا يحتاج لدورات في غزة ولاكتساب الخبرة في الخليل، ولورشات عمل داخل باحات الأقصى، وبعدها يمكن أن نشاهد أغنية قادرة على رسم ملامح جديدة، أو خلق ظاهرة لا تتعلق بمساحات الجغرافية الخاصة بالقدس فقط، بل تعود المدينة رمزا شاملا، بعد أن كسر النظام العربي كل الرموز لصالح وجوده أو وجوهه التي تبرز لنا في لحظات السلام، وتتهمنا بالرعونة في لحظات الحرب.

أغنية واحدة فقط ستجعلني قادرة على التفاؤل، فأخرج من غبار العصور الوسطى وأنتقل على الممرات القديمة التي كانت دائما ساحات يتنفس منها العالم، أو يعرف عبرها قيمة المستقبل، فوسط الرصاص المطاطي لا يمكن أن نتحرك خارج أسر الحدث اليومي، بينما نحلم بأن وراء جدران الفصل هناك من يفكر بنا، أو يستطيع أن يقدم لنا ولو تحية عبر لحن خفيف يعبر كل الحواجز، ويداعب الأطفال لحظة القلق قبل ذهابهم إلى المدارس، فالمقاومة في النهاية لون متبدل ينحني عند الرموش ويستقل بنفسه ولا يرتد مخالفا قواعد الفيزياء، ومبددا نظريات كثيرة، فهو اللون الذي يجعلنا نعرف أن "الحلم" لا يظهر فجأة، فهو يتكون بشكل بطيء ثم يعتلي العرش الملائكي فيغني الجميع أو يرقصون على إيقاع مختلف عما نسمعه الآن.

في القدس أبدو وحيدة، وفي الخليل أشاهد الجموع التي تجرفني فأصرخ معهم ولكني أفتقد الأغنية، وأبحث عن مسار يدفعني لزمن الحلم... يرفعني كي أعانق أطفال قادرين على البقاء رغم عدم وجود الأغاني.