كل شيء ممكن في "المساحة العربية"، وحتى لا تبقى الكلمات تائهة فإن ما يحدث في سرت يسير بشكل طبيعي أمام العين، ابتداء من صورة "الجمال" و "الأهازيج" وانتهاء بالابتسامات التي لا نعرف ماذا تخبئ لنا، أو حتى كيف نصفها وهي التي تظهر لنا دائما سواء في زمن الحروب أو في احتفالات افتتاح المباني والمعامل والمهرجانات الثقافية، وحتى في المؤتمرات "المؤنثة"...

هناك اعتياد سياسي حتى على الوجوه، وهناك أيضا أشكال تكتمل ضمن دائرة مغلقة فتكتسب جنسا مختلفا نحتار في تصويره، وعندما تلتف السياسة حولنا نبدأ بالتعرف على أشكال الملل، فهناك رواية تستمر وكأنها من حكاية الجدة العجوز التي تسرد وتسرد لكن الفارق هو في القدرة على التشويق، وفي الحب الذي كان يجمعنا للوجه الذي يسرد الرواية، لكننا في زمن خاص بدأت تأخذ شكلا مملا، فالرواية دائما حدث لا يتكرر، هو إبحار من نوع خاص عندما تعيده ينتقل إلى شكل من "السأم"، فهل هذه المقاربة كافية لوصف "القمة" أو "السياسة" أو "الحدث" الذي نهدر الأموال لمتابعته لحظة بلحظة؟!

على الطرف الآخر من العالم تنعقد القمم وتنتهي ربما بمظاهر أدنى بكثير مما نشهده في "جغرافية السأم" التي تحيط بنا، وفي "السياسة" الممزوجة بالدجل يمكن أن نشهد من يضحك أو يلتقط مشهدا خاصا، أو يلتقط قرارا يعيد تكوين "اليونان" بعد إفلاسها، وهو مشهد يكسر ولو لومضة "الكآبة السياسية" المكتوبة على وجوه من حضروا أو تخلفوا، وربما ستكون هذه المهمة مستحيلة في سرت، رغم أن الرئيس الليبي يحتفظ بإناث يمشين خلفه وبـ"راهبات ثوريات" يغيرن المشهد الاعتيادي لعمليات الأمن الخاصة بالشخصيات المهمة، ورغم ذلك فإن "الملل" يبقى وكأنه صورة أبدية لمهرجان مستمر منذ لقاء "أنشاص" قبل حوالي ستة عقود.

ماذا لو قرر القادة العرب تغيير المشهد؟ أو حتى ارتحلوا عن مساحة السياسة وباشروا مهرجان فرح حقيقي؟ ماذا لو قرروا الاستماع إلى "الشعر" أو حضور مسرحية؟ وماذا لو أنهم فتحوا نقاشا عن "السينما" وعن الفن التشكيلي، أو حتى تواجدوا لحضور مسلسل درامي؟ هل ستتغير الابتسامات النمطية!!!

السياسة أمر لا بد منه، فهي مثل الموت والحرب والكوارث والزلازل، وبإمكانها ان تكون مثل العشق والغزل والتودد، ومثل سحر اللوحات المعروضة في اللوفر، أو مثل القصائد التي كتبها المعري و ت.س. إليوت، وهي أمر لا بد منه فلماذا نصر على حرمانه من الجمال، فالأزمات لا يمكن أن تنتهي بالصرامة والزيف والقيام بالواجب لأنه مفروض.... في السياسة حالة إبداعية وحيدة على القادة العرب تعلمها من نساء غزة ومن عشاق الأرض في الخليل، ومن الصور الباقية ليافا.... فهناك فقط ينتهي الملل رغم أن الحزن يكلل الأرض، لكنه حزن عابر طالما أنه ممزوج بالجرأة.