مطلوب أن نبقى في العنوان العريض، وفي قدرته على تعبئة كل تفاصيل حياتنا، فلا نرى سوى الأفق والحلم وحتى الطيف الذي نريد أن نبقه حيا، ومطلوب أيضا أن تكون الحياة على مقياس الشعار الذي أطلقناه، وكأنه قدر فولاذي يجعلنا نخجل من الحديث عن التفاصيل، فهي (المطب) الذي أوقع الآخرين، وهي أيضا بداية التفكك!!!
في الاستغناء عن التفاصيل هروب باتجاه المطلق، واقتناص تراثي يشبه "وعد الجنة للمتقين"، فسيرة "بلال بن رباح" هي السر الذي يلازمنا، ومآسي عمار بن ياسر ومصعب بن عمير ربما تصلح لزمن النبوة المبكر، لكن "وعد المتقين" لا يصح في قياس زمني قصير نمضيه ما بين الولادة والموت، وتكبر فيه الأسئلة الوجودية، فنبحث عن مخرج بعيد عن التفاصيل لنعلق في متاهة المطلق والشعار والفكرة والهدف البعيد.
هو نمط تفكير استخدم على "الأنثى" في البدء، لأنها الأكثر حضورا في مسألة "الشعار"، فهي الموعودة بالجنة إذا أصبحت غمامة سوداء، وهي التي ستحصل على "الجائزة الكبرى" في الزواج إذا بقيت في حكم المخفي والمنفي والبعيد عن الوجود، لكن القياس على الأنثى ينسحب بنفس الدرجة باتجاه الآخرين مع اختلاف المواقع.
لماذا اقتنعنا في لحظة بأننا مكتوبون على "صفحة المجد"؟! رغم يقيننا الوجودي بأن هذا الخلود هو نوع من النرجسية التي نمني النفس بها بعد أن عرفنا بأن الموت حتمي، ولماذا يصبح رفض الذات ضرورة لنجاح العمل الذي لن تقوم له قائمة على "الذوات" المنتشرة في كل حدب وصوب، والقادرة على التحلي بالصبر علينا وعلى الوعود التي تنتشر أمامنا وكأنها سيل جارف....
إنها مسألة مكتسبة منذ تعرفنا على العمل العام، فأتقنا النظر إلى زوايا الحياة من خلال البقاء في الظل لأن الظهور سيجعل العمل يفقد عموميته، أو ربما سيغطي على صاحب الفكرة، أو صاحب الدعوة الذي يشكل وحده "ضمانة" و "القدرة على العطاء"، لكنه في النهاية ليس واحدا، فنحن نكتشف دائما أن أسطورة البدء تتكرر ومعها أجيال تتلو أجيال قادرة على تلفح السماء دون أن تدري بأن قفزة البشرية كانت بظهورشخصية الفرد.
العنوان العريض يلتف دائما حول الآخرين.. يدفعهم باتجاه نكران الذات وكأنها الغاية الأبدية لأي علاقة تربط ذكرا بأنثى أو بشرا بالمجتمع، وعلى الزاوية الأخرى من الحياة هناك أسطورة البدء والنهاية ورغبات لم تتحقق ومساحات فارغة علينا ملؤها بملايين الأسئلة... لكنها تبقى دون جواب لأن التفاصيل ليست مهمة!!