حتى لا نشغل أنفسنا باحتمالات الحرب، أو بأن "إسرائيل" قادرة على خوض معركة جديدة، أو حتى بمسألة "الردع المتبادل" الذي أصبح مصطلحا يستعمله الجميع بغض النظر عن القياسات العسكرية والإستراتيجية، فإن "التهديدات" تتسرب عبر الصحف العالمية باتجاه سورية، و "إسرائيل" في النهاية ليست قوة يمكن حسابها وفق المقاييس الدولية، رغم كل محاولاتها وضع نفسها كحالة اعتيادية خارج الاحتلال أو بعيدا عن "الجنسيات المزدوجة" للمستوطنين.

فهم احتمالات الحرب أو الاعتداء تبدأ من "إسرائيل" وليس من أي مكان آخر، وبنفس الطريقة التي تحتفل بها بـ"تأسيسها" فإنها تنطلق بعيدا في تصورها لذاتها كدولة تقف على حدود الاحتمالات، وأي خلل في الاختيار يمكن أن ينتهي لوضع كارثي، وربما كان هذا الأمر هو أهم درس تعلمته في "الانتفاضة الثانية"، عندما أصبحت مسرحا لحرب داخلية ومواجهات حاولت جعلها وفق "جبهات" وانتهت إلى بناء جدار الفصل!!! ولكن إلى أي حد يمكن أن تخاطر "إسرائيل" بالاحتمالات التي تظهر مع التحليلات بشأن الردع المتبادل، أو قدرة إيران على الوصول إلى سلاح نووي بغضون خمس سنوات حسب تقديرات البنتاغون؟!!

بالتأكيد فإن "مؤتمر" هيرتسليا الأخير حاول الوصول إلى مقاربة بشأن "الخطر الإيراني"، وبالطبع كان هناك مقترحات متعددة لكننا ربما نقف عند مساحة الاحتمالات لأن "إسرائيل" بدأت تبحث عن خطر ربما لا يرتبط يـ"جغرافيتها" التي لم تتحدد بعد بشكل نهائي، لكن الواقع الذي فرض نفسه هو "مسألة الحصار"، وهي النقطة الأساسية التي يمكن أن تشكل دائرة الاحتمالات بالنسبة لأي رد فعل إسرائيلي، فالردع المتبادل يشكل بذاته "حصارا بالنسبة لـ"دولة" ماتزال تصف نفسها بأنها "محشورة" داخل وسط معاد.

الحسابات العسكرية المتوقعة كانت دائما بعيدة عن "التفكير الإسرائيلي"، فالغرض الأساسي هو إعادة تشكيل الواقع، وفي عام 2006 كانت الحرب ضد حزب الله هي أيضا إعادة لتشكيل الواقع، فالبداية الإسرائيلية تنطلق من فهمها لأمنها ليس كدولة "من الداخل" بل أيضا من مواقف "الآخرين" لحقها في الوجود، وهذا الموضوع الذي يعتبر قديما لكنه يرتكز اليوم على حساب احتمالات جديدة في سياستها الخارجية التي توحي بنوع من الصراع مع الولايات المتحدة أو مع ما يسمى بـ"اليسار الإسرائيلي".

البداية هي في "المأزق الاستراتيجي" الذي يصفه البعض بتوازن الردع مع جيرانها، فهو توازن ربما يخضع وفق الاحتمال إلى "اختبار إسرائيلي" وذلك بغض النظر عن كل التحليلات الحالية، ونوعية هذا الاختبار فيه مساحة واسعة من الآليات التي يمكن أن تكون سياسية أيضا وليس بالضرورة أن تصل إلى حدود استخدام القوة لفرض "إرادتها"، فـ"إسرائيل" بطبيعتها تتمحور حول "التهديد"، وهي أيضا تستند إلى عمليات "التجميع السكاني"، ولا يمكن أن تتحمل حالة من التوازن مع محيطها لأن مثل هذا التوازن سيضع خيارات امام "المستوطنين" وبشكل ربما يهدد وجودها.