بدأت الأزمة بين الولايات المتحدة و"إسرائيل" ولكنها انتهت فعليا عند حدود العلاقة بين دمشق وواشنطن، فأزمة "صواريخ سكود" شكلت فصلا جديدا لسجل يتم اعداده بشكل دقيق حول طبيعة التعامل الأمريكي مع دمشق، وإذا كان البعض يتذكر بالحدث الحالي "أزمة الصواريخ السورية عام 1981"، فإن ما جرى ربما يختلف تماما لأن إثارة هذا الموضوع يتوافق أكثر مع الافتراضات التي ظهرت بعد الاعتداء الإسرائيلي على موقع الخبر، حيث تم إدخال سورية إلى ملفات هيئة الطاقة الدولية.

وتصريحات مساعد وزيرة الخارجية لشؤون الشرق الأدنى جيفري فيلتمان للجنة الفرعية حول الشرق الأوسط وجنوب آسيا تحمل معها مشروع قرار ضد سورية حسب بعض المصادر، وما بين التحذيرات ووصف آلية العلاقات مع سورية بما فيها تعيين السفير الأمريكي الجديد، فإن "الخيار الأمريكي" داخل الشرق الأوسط لا يبدو مستقرا، والمسألة كما تلخصها تصريحات فيلتمان مازالت تبحث في "التميز" ما بين إيران وسورية، وقراءة التباينات السياسية بينهما، حيث هناك مسيرة مختلفة لدمشق حسب فيلتمان في موضوع التسوية، وهي أيضا وفق ما قال "لا تريد أن تمحو إسرائيل عن الخارطة"، لكن المقاربة التي قدمها تحمل معها تساؤلين:

الأول: لماذا الإصرار على كشف المفارقات ما بين سورية وإيران؟ فالبيت الأبيض يصر على بحث تأثير كل دولة بشكل منفرد على "إسرائيل"، بينما الأهم من هذا الموضوع هو نوعية العلاقة بينهما التي أدت إلى معادلة جديدة في مواجهة "إسرائيل". فإيران لا تبدي تحفظا على تعامل سورية مع ملف التسوية، وسورية أيضا لا تخفي التباينات مع طهران، وبهذا الشكل فإن نوعية العلاقة بينهما هي الأهم وليس المواقف المنفردة لكل دولة، والرهان على نوعية الاختلاف لن تؤدي إلى نتيجة حقيقية بالنسبة للولايات المتحدة.

الثاني: كيف يمكن للولايات المتحدة التعامل مع العلاقات الشرق أوسطية وفق الطريقة التي تعتمدها الإدارة في خلق ضغوط منفصلة على دول المنطقة، فالنموذج الحالي هو أنها تملك علاقات متميزة مع تركيا بحكم تاريخ سياسي طويل، وعلاقات سيئة جدا مع إيران، وعلاقات متأرجحة مع سورية، لكن الدول الثلاث تؤثر بنفس الاتجاه على "إسرائيل"، وهي أيضا تتعرض لضغوط مختلفة من قبل الكونغرس وحتى الإدارة الأمريكية عبر مشاريع قرارات تارة تتعلق بمسألة "مذابح الأرمن" وأخرى بسبب ادعاءات بتسليم حزب الله صواريخ ومعدات عسكرية أو حتى بسبب الطموح النووي، وهذه الضغوط بأكملها لا تستهدف البلدان بذاتها إنما إعادة رسم مواقفها، وهو أمر سيؤثر على العلاقات الداخلية في الشرق الأوسط، ولكن نفس هذه الدول تعرف أن المغامرات السياسية ضدها لا يمكن أن تكون مجدية طالما ان الولايات المتحدة موجودة عسكريا في المنطقة، وهي تحتاج دائما لدول الجوار العراقي لتأمين واقع يسمح بتحريك قواتها أو سحبها.

الولايات المتحدة حملت في تاريخها أسلوبا مغامرا، لذلك فإن مرحلة الانتقال من السياسة إلى الفعل العنيف ليست واضحة، والاحتمالات هنا متعددة بعدد الدراسات التي تقدمها مراكز الأبحاث الكثيرة واللوبيات المختلفة التي تؤثر بشكل مركب على آلية عمر الكونغرس، وهو أمر يدفع دائما للحذر تجاه الخيارات المختلفة للولايات المتحدة التي تبدو أنها تنطلق من مجالسها التشريعية قبل أن تصبح نافذة عبر إستراتيجية تعتمدها الإدارة الأمريكية.