المسألة كما لخصتها لجنة المتابع للمبادرة العربية تتألف من شقين: الأول عدم "الثقة بالإسرائيليين"، والثانية وجود ضمانات أمريكية شفوية، ووفق هذين المعطيين تعاملت اللجنة مع التفويض الخاص بدأ المفاوضات، ويبدو أن التعامل الاستراتيجي مع مسألة الصراع بات محسوما بالنسبة لعدد كبير من الدول العربية، فالمسألة تتعلق بضمان "حياد" الولايات المتحدة تجاه النظام العربي بغض النظر عن الصراع مع "إسرائيل"، فالمبادرة العربية بالأساس حملت هذا المضمون، لأنها شكلت محورا مستقلا لا يتعامل مع "صراع" قائم، فهي وضعت في ذروة الانتفاضة وحصار شارون لمقر الرئاسة في رام الله.

هذا المضمون سيبقى مستمرا وفق آليات مختلفة لكنه في النهاية سيحمل نفس المؤشرات التي ظهرت في بيروت عشية إطلاق تلك المبادرة، فمنذ هذا التاريخ بات واضحا أن هناك أمرين أساسيين:

الأول أن حروب واعتداءات إسرائيل ستصبح مستقلة عن الحركة الداخلية للنظام السياسي العربي، فالمبادرة ظهرت في ذروة الانتهاك الإسرائيلي لكل مفاهيم التسوية، واستمرت على نفس السياق في عام 2006 و 2008 و 2009، وأخيرا في حالة إعادة صياغة الجغرافية الفلسطينية التي تحولها حكومة نتياهو رغما عن كافة الزوابع الإعلامية الأمريكية.

الثاني الحفاظ على التوازن العربي - العربي، لأن المبادرة كانت نوعا من التوفيق بين الاتجاهات الإستراتيجية تجاه "إسرائيل"، فهي تعكس التباين في النظر إلى مسألة الأمن القومي، وصياغته طريقة مختلفة وفق الظرف الدولي الذي يفرض نفسه دائما على مساحة الشرق الأوسط. بهذا الشكل فإن المبادرة العربية يمكن ان تستوعب أي خلل في موزين الشرق الأوسط عبر تصدير "التفويض" أو التحرك باتجاه التسوية بغض النظر عن نوعية لموقف الإسرائيلي.

بالتأكيد فإن النظام العربي لم يدهشنا بمسألة عدم الثقة، أو بتسليف إدارة أوباما فرصا جديدة، لأن الموضوع اليوم يستند إلى القدرة على عدم دفع التوتر وليس إلى تحقيق مصالح واضحة بالنسبة لكل الدول التي وافقت على مسألة التفويض، فمعظمها يحاول معرفة ردود الفعل الأمريكية وليس "الإسرائيلية"، وهي أيضا مقتنعة بأن "90% من أوراق السلام بيد الولايات المتحدة" حسب تعبير الرئيس الراحل أنور السادات، لكن هذه الأوراق لم تعد كما كانت عليه، فوضع أوراق السلام بيد واشنطن هي أمر قام به النظام العربي نفسه عبر التخلي عن إيجاد توازن خاص به، فهذه 90% هي في يد "إسرائيل" لسبب واحد هو اننا نبحث عن السلام من زاوية واحدة ولا نملك خيارات إضافية.

الموضوع اليوم ليس عسكريا او توازن يمكن يدفع "إسرائيل" لضرب الدول العربية، فمن تهددهم "إسرائيل" يرفضون أساسا مسألة التفويض اما الذين وافقوا عليها فهم بالفعل أصحاب خلق الآليات السياسية التي تجعل كل الخيارات مستحيلة.