السيناريو الذي يحدث مختلف عما سبق رغم أنه يتفق في السياق العام، فهو متعلق باغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، وهو أيضا يبدأ مع حملة إعلامية واسعة ضد حزب الله، وكان في السابق ضد سورية، وأخيرا فإنه يثير المخاوف "الاجتماعية" لأنه يترك المنطقة في "مساحة الظن"، علما أنها لم تغادرها منذ أن دخلت "حرب الظلال" مساحة حياتنا السياسية.
في المقابل هناك ثلاث أمور أساسية مختلفة عن الزمن الذي وجهت فيه "اتهامات إعلامية" لسورية بشأن عملية الاغتيال، الأولى هي أن حركة المحكمة الدولية ليس الغرض منها "انقلابيا" كما حدث مع سورية، إنما الحد من فاعلية حزب الله بعد أن خبرت الولايات المتحدة و "إسرائيل" أن "اجتثاث" حزب الله مسألة معقدة وليست مجرد "وصفة سحرية" يمكن تطبيقها بالقوة العسكرية، فأي قرار ظني يمكن أن يصدر سيتيح مساحة سياسية فقط يمكن عبرها التحرك لتغيير معادلة القوة في الشرق الأوسط.
الأمر الثاني هو "الاختبار الصعب" الذي تريد منه "المحكمة" ومن وراءها إدخال "الحلفاء" فيه، وربما يكون الموقف السوري هو "الأهم" بالنسبة لها لأنها تدرك أن المعادلة اللبنانية من الصعب العبث بها عبر "قرار ظني" فقط، فهناك رصد دائم لمسألة الحركة السورية على مساحة الهجوم الإعلامي اليوم تجاه حزب الله. في المقابل فإن "التحركات السياسية" توحي بأن هذا الاختبار الصعب لن يُترك دون عوامل إضافية، وتوقيت زيارة العاهل السعودي إلى سوريا ولبنان، إن صحت، توضح أن المسألة يمكن أن تكتسب بعدا إقليميا، فإذا كانت الرياض تريد التهدئة فهي أيضا تسعى لتثبيت دورها في هذه اللحظة بالذات.
بالطبع فإن الأمر الأخير مرتبط بـ"المساحات" الجانبية لمناطق الصراع الأساسية من طهران وأنقرة وأخيرا دمشق، حيث تبدو نقاط الالتقاء في لبنان كنافذة أساسية على كل الأزمات، فهذه "المساحات" الجانبية هي نقاط القوة الحقيقية في استقرار العلاقات الجديدة داخل الشرق الأوسط، لأنها العامل الجامع للمنطقة في بناء "مفهوم الاستقرار" الذي ظهر بشكل مختلف منذ احتلال العراق.
عمليا فإن مجرد الحديث عن "قرار ظني" سيعيد مسألة الأدوار الإقليمية إلى مراحل سابقة، ففي لبنان تلتقي تلك الأدوار، وفي بيروت تم الاتفاق على المبادرة العربية، وفيها أيضا أعلنت كوندليزا رايس "مخاض" الشرق الأوسط الجديد، فهي "المساحة الجانبية" الضرورية على ما يبدو منذ أن ظهرت "إسرائيل" كنقيض "جغرافي" لأي مستقبل تتكامل عبره دول الشرق الأوسط.
ربما لا يحمل القرار الظني "المتوقع" مكملات السيناريو مثل "الشخصية الاستعراضية" للمحقق الدولي "ميليس" لكن هناك مناخا لا يمكن تجاهله يوحي برواية "بوليسية" جديدة ستخلق بلا شك "ظنونا" جديدة حول مستقبل المنطقة عموما...