دعوني أتخيل وأرسم "خربشة" تقارب التجريدي أو ربما تتجاوزني كأنثى لأن "رائحة" النفط كانت دائما عدوي، وكانت الصورة التي لفتني بخمار أسود، أو جعلتني صورة لفتاة ليل تبحث عن "الدشداشة" البيضاء كي تلاحقها، فهل خيال "الثروة" محرم علي، أم أنني سأحول صورتي إلى تمثال آخر يقف على خط الحرب قرب حقول غاز افتراضية.
في هذا الخيال مساحة مختلفة لما يمكن أن يتصوره العقل، ولصور تبدو وكأنها غريبة عن "الأرز" أو قمم الجبال العالية، أو حتى الوجوه الملثمة والمقاومة ما بين رفح وغزة، فكيف لي تصور "رائحة الغاز" المنبعثة من "البحر الفينيقي" وهل سننقل للعالم الطاقة بدلا من الأبجدية أم هل سينتهي عصر البحث عن "الرشاوى" وستصبح سيدات الصالونات مكللات بالسواد، وتنتقل اللكنة الفرنسية إلى نوع من البداوة؟ ما الذي ستحمله الطاقة إلينا سوى "جغرافية الحرب" بعد أن عجزنا في "مساحة الحب"... هو هاجس أو عجز عن تركيب واقع جديد أو خيال يمكن أن يشكل تغيرا في رؤيتنا لأنفسنا.... وهل سنغير أبيات "نزار قباني": (لو تنشف آبار البترول ويبقى الماء...) لأنها لا تتناسب مع الظرف الذي سيحمل بعضا من الثروة والكثير من العنف؟
أسئلة الطاقة لا تتوقف عند المحللين لأنها تغير من سلوكنا، وتجعلنا مهوسيين برؤوس الأموال بدلا من علاقاتنا الاجتماعية، لكن الأمر ربما لن يحمل سوى التبدل بالشكل لأن للنفط والغاز صورته النمطية، وأدواته التي ستشكل في فلسطين مجالا مختلفا عن باقي الجغرافية التي تستوعبنا، فللثروة قصة مختلفة في أوطاننا، وفيها الكثير من الثرثرة والألم والسباحة على أوجاع الآخرين.
بالتأكيد لن نعيش "طفرة" لأننا في زمن مختلف، ولكننا سنحاول إيجاد أمل كاذب لن يجر معه سوى رماد لما قدمته الصحراء وللبترودولار الذي داس على نظرات العشاق، وفتح سوق "نخاسة" على طراز "المولات" الكبيرة، وأوجد عطورا لم نكن نحلم بها، أو حتى سيارات تغري البعض كي يتخيل أنه يركب حصانا عربيا ولكن من حديد وصلب، وفي النهاية ستبقى الأرض والشجر الذي لم نستهلكه في الطموحات المريضة، وستبقى بعض من ابتسامات المراهقات اللواتي لم يفكرن بأن النفط سيقلب معايير الجمال.
أتخيل وربما أهلوس على إيقاع البحث عن الغاز، بينما تئن المدن الصغيرة وكأنها جموع من الإناث عاجزة عن العشق، ويكتب البعض فوق الجسد خارطة الحقول المكتشفة بالبحر وينسى صورة الجسد المعلق على الجدارن القديمة أو أشجار الزيتون، ويمر الزمن دون أن ندرك بأن الثروات المتراكمة لم تكن سوى خيالات لترف يعيش على أرواح من يجيدون "الغزل" ومن يستطيعون تحويل الرغبة إلى قصيدة أو لوحة أو رواية.