الغريب أن بعض المحللين الذين ظهروا على الفضائيات لم يبدوا انزعاجهم من عملية الرصد الإسرائيلي الدائمة للبنان، معتبرين أن ما قدمه السيد حسن نصر الله "حالة انتقائية"، فهم لم يشعروا بانتهاك من العدسات الموجهة إليهم دون إرادة منهم، لكنهم في نفس الوقت "امتعضوا" من التطرق للمحكمة الدولية أو مصداقيتها.
عمليا ليس المهم نوعية القرائن التي طرحها نصر الله في مؤتمره الصحفي، فالمسألة هنا محسومة سلفا بالنسبة لكل فريق، بينما تبدو القضية الأساسية في الإيقاع السياسي الموجود داخل نطاق "الكاميرات الإسرائيلية"، فعندما نتحدث عن "التوافق" فإننا على ما يبدو لا نتحدث عن فعل معزول أو خارج الاختراق الاستخباراتي على الأقل، والموضوع هنا ليس أمنيا لأنه يفتح الباب على حالة الانكشاف السياسي التي تشكل معادلة خاصة بها، وهو انكشاف لا يرتبط بالساحة اللبنانية فقط، بل بتوابعها أيضا لأنها ساحة تلتقي أو تفترق عندها خيوط النظام العربي.
المشكلة الأساسية أن المؤتمر الصحفي لـ"نصر الله" يذكرنا بالطرف الغائب من المعادلة، أو ذلك الذي نريد تجاهله وشطبه من الآلية السياسية التي تعمل وكأنها لا تملك في الحقيقة أي اتجاه واضح في نوعية المخاطر، فـ"إسرائيل" ليست وفق المنطق سوى "وجود" قادرين على التعامل معها وفق "المبادرة العربية"، بينما يذكرنا "نصر الله" أن مسألة الصراع والسلام والتسوية ليست "نيات" سياسية، أو حالة متنقلة ما بين الإدارات الأمريكية المتعاقبة، لأنه "وجود" يرصد محيطه بدقة، بغض النظر عن نوعية "المبادرات" التي تظهر وتغيب على هامش "هواجسه الوجودية".
معادلة التوافق السوري - السعودي ليست "مرصودة" من "الأجهزة الإسرائيلية" وفق مساحة مختلفة، لأنها ليست صورا ملتقطة لشوارع بيروت فقط، أو بحثا داخل تفاصيل المباني عن أماكن التفجير المحتملة التي أثبتت التجربة أنها قادرة على نسف كل الجهود، بل هو أيضا رصد لنوعية هذا التوافق القائم على "حساسية" رؤية العدو، وتحديد المخاطر التي أبرزتها الصور المقدمة في مؤتمر "نصر الله"، فقضية المحكمة والقرار الظني تبدو هامشية أمام نوعية "التعامل الإسرائيلي" الذي يجعل مراحل "الهدوء" فترات ترقب.
ربما كان صحيحا أن مسألة "التوافق" هي عملية وليست إجراءا سياسيا، لكنها في نفس الوقت تجري تحت الرصد "الإسرائيلي" الذي يستعيده نصر الله مقدما "جدية العدو" أو حتى مساحاته المفتوحة في لبنان وغيره، فهل هذا الأمر يعبر فقط عن "الاختراق الأمني"؟!! أم أن علينا التعامل من جديد مع حالة الانكشاف السياسي التي يشكل الجانب الأمني "جزء" منه، ويعبر مؤتمر "نصر الله" عن حالة واضحة في أن التسوية حتى اللحظة لا تعني سوى إجراء سياسي لن يحل واقع "الانكشاف السياسي" الذي نعيشه.