إشارات استفهام متعددة أحاطت بعملية التفاوض في واشنطن، فبغض النظر عن المواقف التي يظهرها المحللين في الصحف لكن "الوضع الرسمي" بقي ضمن هالة رمادية تبدو غير مفهومة، وبالاعتماد على المؤشرات الإعلامية فإن التوزع على جانبي التفاوض لا يبدو من النوع المولد لصدام ضد أي آلية سياسية يمكن أن تظهر لاحقا ضد نتائج التفاوض، فالإدارة الأمريكية تحركت بشكل ناجح حتى اللحظة لاستيعاب الجانب الرسمي على الأقل في الشرق الأوسط، وهي لم تبدأ حركة تفاوض بين الجانبين الفلسطيني و "الإسرائيلي" بل أيضا حركت الملف العراقي في نفس التوقيت، وأرسلت هوف إلى دمشق، ووفق بعض التقارير هناك ضغوط ضد تركيا بشأن علاقتها مع "إسرائيل".
عمليا فإن "الهدوء" السياسي الذي أحاط المفاوضات لا يرتبط فقط بتحريك الأزمات في وقت واحد، فهناك أيضا قلق سياسي آخر حول ملفات الشرق الأوسط، وتبدي بعض المصادر الأمريكية نوع من الحذر تجاه السيناريوهات المقبلة، معتبرة أن الاحتمالات بقيت مفتوحة ما بين الحرب والتهدئة، مؤكدة أن تغلب احتمال على آخر مرتبط فقط بالآليات السياسية الحالية ونجاحها، أو قدرة إدارة أوباما على الاستمرار في الاستيعاب السياسي، وبمعنى آخر فهناك عاملين سيشكلان السيناريوهات القادمة:
الأولى تفاعل الأزمات الشرق أوسطية وتداخلها، فالوضع العراقي سيشغل طرفين أساسيين لهما علاقة مباشرة بالصراع مع "إسرائيل"، فدمشق وطهران سيواجهان الوضع في العراق والعملية السياسية فيه، وهو ما سيجعلهما منخرطتان ولو بشكل غير مباشر بالتحرك الأمريكي في فلسطين أو العراق. فالولايات المتحدة فتحت الباب على عملية سياسية قادرة فيها على تبادل الأدوار مع دول المنطقة، وهذاا ما سيساعدها على التعامل مع مسألة التسوية بحرية أكبر.
الثاني عملية التنافس السياسي داخل المؤسسة السياسية الأمريكية قبيل الانتخابات النصفية، فهناك زمن محدود وملفات لا يمكن التحرك فيها بحرية، فالحديث عن اللوبي الصهيوني قبيل الانتخابات حقيقي لأبعد الحدود، لكنه "لوبي ضمن الضغوط" وهو ما يجعل الأمر أصعب من مجرد إرضاء طرف أو إغضاب طرف آخر، فالمسألة هي رؤية لمصالح أمريكا دوليا، فرؤية الأزمات العالمية بين الجمهوريين والديمقراطيين ستحكم ترتيب أولوية الشرق الأوسط بالنسبة للإستراتيجية الأمريكية.
الداخل الشرق أوسطي هو الشأن الوحيد المستقل عن العوامل السابقة، وهو الذي يمكن أن يخرق عملية الاستيعاب الأمريكي، لكنه أيضا محاطا باعتبارات متعددة ربما تقلل من فرص صعوده بشكل سريع، وربما لهذا الأمر ظهر التصعيد الأخير في لبنان ومسألة القرار الظني والمحاولات العربية للتهدئة، لكن هذا التوازن رغم نجاحه حتى الآن يبقى خطرا لأنه لا يراهن على احتمالات السياسة الإسرائيلية التي غالبا ما فاجأت الجميع وقلبت أوراق اللعبة.