الحديث المتزايد عن مسألة "ربط البحار" في الخطاب السوري يفتح تحد مختلف في أحد جوانبه عما تريده سورية من هذه الإستراتيجية، فالسؤال الأساسي لا يبدو فقط في الانفتاح الإقليمي لدمشق على مساحة شكلت في السابق خطوط ربط تجاري تتلاقي أحيانا في سورية، بل هو أيضا خروج وربما لأول مرة من "الحدود" المرسومة سلفا داخل النظام العربي.
وفي الواقع فليس مهما أن نفهم نتائج مثل هذه السياسة على مصالح سورية، لأن الأمر يبدو واضح في دمشق لخلق روابط اقتصادية وسياسية تستفيد منها، وأحيانا في تعويض الثقل الدولي الغائب في التأثير على الأزمات، لكن المهم في أن مسألة ربط البحار تعكس قلقا سوريا متزايدا من التصدع الذي أصاب شرقي المتوسط منذ أن تم تحييد مصر بالدرجة الأولى، ثم في الأحداث الدراماتيكية التي "حذفت" العراق من المعادلة الإقليمية وصولا إلى الحديث عن "نفوذ إيراني".
عمليا فإن السياسة السورية وفي وقت مبكر أبدت مثل هذا القلق لكنها استعاضت عن الانهيار الاستراتيجي بتحالف أقوى من "الاتحاد السوفياتي" السابق، ثم بمحاولة الانسجام مع الأدوار الدولية الجديدة وعلى الأخص بعد عام 1990، لكن احتلال العراق حرك التحول الأساسي في هذا الموضوع، ويمكننا ملاحظة أمرين أساسيين:
•الأول أن الولايات المتحدة قادت نحو تغير المعادلة كليا وهو ما دفع دمشق إلى البحث من جديد عن عمق آخر لعلاقاتها في ظل محاولة لحصارها والحد من تحركها، فمسألة ربط البحار ليست طموحا سياسيا بقدر كونه بحث عن توازن مع غياب العمق العربي بالدرجة الأولى، وتحول الولايات المتحدة من قوة عظمى إلى دور "أمبرطوري".
•الثاني أن مسألة ربط البحار رغم "طابعه الاقتصادي" لكن دمشق تريده عاملا "جيوستراتيجي"، فهي وإن كانت لا تريد خلق كتلة جغرافية - سياسية، ولكنها تسعى على الأقل لإيجاد ظرف يشبه ما ظهر بعد الحرب العالمية الثانية في أوروبا، أي إخراج التناقضات لصالح "خلق مصالح". بالطبع فإن دمشق تعرف مسبقا أن المسائل الاقتصادية باتت أعقد من السابق، لذلك فإن الرهانات السياسية تبدو مفتاحا أساسيا للدخول في هذا الطرح الذي مازال يحتاج إلى "تعميق نظر"، وربما إلى إيجاد تفسير مختلف لعلاقات سورية مع النظام العربية، فمسألة ربط البحار ليست عنوانا إعلاميا حسب ما تم الحديث عنه في عدد من التصريحات، بل يشكل إستراتيجية تحتاج لطرحها ربما لـ"ثقافة سياسية" ربما ينتج عنها واقع إقليمي جديد

الدور الإقليمي السوري يشهد اليوم تحد من نوع آخر لأنه يحمل معه إمكانية إيجاد توازن من المفترض أن لا يتناقض مع "التوازنات العربية" القائمة، إلا أنه في نفس الوقت يستطيع أن يخلق قواة موازية وليست تعويضية عن فقدان الثقل العربي.