الكاتب : حسان عبه جي

حتى اللحظة فإن وثائق ويكيليكس لم تؤدي إلى "نتائج" سياسية، فتسرب الدفعة الثانية لم تدفع لاستبعاد نوري المالكي عن رئاسة الحكومة العراقية، والوثائق الأولى لم تحدث أي تحول في مسار الحرب الأفغانية، وهو أمر طبيعي لأنها تبقى وثائق توضح مشهدا دوليا أكثر من كونها محاولة للتأثير على الحدث، حيث يتم نشرها "إلكترونيا" وتداولتها وسائل الإعلام كحدث سرعان ما يغيب باتجاه تسارع السياسة في العالم.

الغريب هنا أن الدفعة الثانية أثارت اهتماما عربيا أكثر من غيرها، رغم أن الوثائق المنشورة حاليا تمس أيضا الواقع العربي، وتطرح أسئلة حول مسار السياسة داخل النظام العربي أيضا، ويبدو أن الموضوع تجاوز الأجندات السياسية وهو ما جعل الوثائق الحالية تعبر بشكل سلس دون أي تأثيرات في الإعلام العربي على الأقل... فهل كانت هناك رهانات على الوثائق السابقة؟

إذا كان الأمر يتعلق بـ"رهان" فهو يوضح أن هناك نوع من الخلل في فهم "كشف الوثائق"، لأنها غالبا تبقى على هامش الحدث رغم تأثيرها القوي في وعي الحدث، والمسألة ليست مجالا في علم الاجتماع، فالوثائق السرية غالبا ما تودع سنوات قبل السماح بكشفها، والأمر يتعلق بسلامة السياسة وحسن سيرها وليس الخوف من كشف الأهداف السياسية، رغم أنه في بعض الأحيان يكون الهدف حساسا ويستدعي السرية، لكن آليات العمل غالبا ما تتجاوز نفسها ولا تحاول أن تبحث عن أرضية أخلاقية وهذا ما يحدث دائما في الاستراتيجيات الأمريكية.

السؤال يبقى معلقا حول "الرهان" على هذه الوثائق، ففي الدفعة الأخيرة يظهر جزء من السياسة العربية في مساحة التحريض ضد إيران، وهو أمر معروف سلفا لكن الغريب هو أن هذا التحريض لا يتضح في عمقه ولا يشكل أي مجال خاص فهو تحريض ينبع من "عدم التوازن" تجاه الآخر، فصورة "العدو الإيراني" تأتي من أصغر نقطة تشعر بالتهديد لأسباب تتعلق بعدم القدرة على خلق توازن على الجناح الغربي من الخليج رغم كل المبادرات السياسية والاقتصادية الموجودة حاليا.

وثائق ويكليكس لا تدفع للتفكير بالموضوع الإيراني إنما بالصورة التي يبدو عليها المشهد السياسي في المقلب الآخر، وهي صورة بالفعل تدفع للقلق لأن التشتت العربي عموما وضعها في موقف حرج، ولأن الاستراتيجيات المتوفرة داخل النظام العربي لا تتجاوز المساحة الجغرافية لأصغر إمارة في نهاية العصر العباسي.