الخبر يقول أن شركة مرسيدس أعلنت عن سيارة جديدة تتم "زراعتها" من خلال تعديل جيني، ووقودها أيضا يتم استخراجه من أشجار معدلة جينيا أما عوادمها فستطلق "الأكسجين"!! وبالفعل فإن الخبر بكامله شطحة "خيال" لولا أنه لم يخرج من شركة وبإعلان رسمي، ومهما كانت التفاصيل فإن الموضوع ليس مجرد "الدهشة" من "التطور التقني"، لأن العالم على ما يبدو "يتجاوز نفسه" في كل شيء.

لنحاول استرجاع بعض المصطلحات المألوفة لدينا، ولنفكر بقدرتها على استيعاب معرفة تبدو غريبة عنا أو غير قادرين على التأقلم معها، فالمسألة ليست في أن الحدث أصبح فوق طاقة التعامل معه، بل حالة التكسير التي تطال مسار الثوابت الفكرية التي كنا نعتقد أنها تستند إلى علم لا يرقى للشك.

المسألة على ما يبدو لا تتعلق بتجاوزات يقوم بها موقع إلكتروني مثل "ويكليكس"، أو بقدرات الشركات على الخروج بواقع مختلف عما اعتدناه، لأننا في النهاية وسط تفاعل "علمي - فكري" دائم يستطيع أن يشكل كل يوم "ثورة" في مساحة التفكير بأنفسنا على الأقل، فقدرة التحرر من "نمطية التفكير" هي التي تدفع إلى فكرة "سيارة يتم زرعها"، أو موقع إلكتروني يغير من معادلات الإعلام، أو حتى "ثقافة" تظهر دون مقدمات فيبدو ما قبلها وكأنه تاريخ وما بعدها "عوالم" من "اللامعقول".

هذا المشهد موجود أمامنا حتى ولو لم نستطع رؤيته، أم اعتدنا الكسل العقلي الذي يجعل مقاهي الرصيف ذروة الفعل الثقافي، أو حتى يجعلنا نعتقد أن العالم يبدأ بجائزة الأوسكار وبصور الممثلين وبالأفلام المرشحة (لن أتحدث عن أدونيا)، ثم ينتهي عن عائلة تتكاسل أمام الشاشة لتنتقل من فيلم إلى مباراة إلى أغنية، رغم أن الفضائيات تحمل لنا ومضات من الفن وبشكل دائم إلا أنها تنتهي عند حدود التكاسل المألوف.

لماذا علينا أن نعشق بنفس الطريقة، وأن نفكر بالسياسة بأسلوب على ما يبدو أنه يعود إلى إستراتيجية نابليون، حتى لا أقول معاوية بن أبي سفيان، بينما يؤكد البعض أنه سيقوم بزراعة السيارات، ويقدم لنا أدلة على أن "الزرنيخ" يدخل في بناء أنواع من البكتريا بدلا من الفوسفور، وأن العلم على طريقة الأولين لم يعد يقدم أي نتيجة مع تقديرنا لهؤلاء "الأولين" الذين لولاهم لما استطاع البعض الوصول لقواعد التفكير الحالي.

هل علينا القبول بأن الحياة تعصف دائما بنا، فتتركنا أمام أسئلة متجددة فيخطر للبعض بأن الجهل أساسي، بينما يكتشف آخرون بأن العلم شأن حيوي لا يمكن طرقه من زوايا الحلول الدائمة، فهو على ما يبدو على شاكلة البشر الذين يعشقون في كل لحظة بطريقة مختلفة، وهم قادرون في المستقبل على استنساخ "شجرة عشق" تشبه شجرة السيارات التي تعمل عليها "مرسيدس".