تعثر إقليمي لا يمكن فهمه دون النظر من جديد إلى الإستراتيجية الأمريكية لمرحلة ما بعد إدارة الرئيس جورج دبليو بوش، فبعد عامين على بوادر "انفراج" حاول الرئيس باراك اوباما الإيحاء بهما نكتشف أننا مازلنا في المربع الأول، وأن أبواب الأزمات مفتوحة ربما بشكل أوسع على احتمالات التوتر من جديد، ويكفي هنا التوقف عند تصريحات المدعي العام للمحكمة الدولية الخاصة باغتيال الرئيس رفيق الحريري حتى ندرك نوعية الإرباك الحاصل.

بلمار يستعيد تحقيقات ديتليف ميليس من جديد، ويظهر اسم سورية أيضا، بينما يتجاهل التحرك الدولي نوعية الأزمات الحاصلة في الشرق الأوسط او انهيار المفاوضات أو حتى إمكانية اندلاع حرب إقليمية مع دخول ملف إيران النووي في منطقة رمادية، والسؤال الذي يظهر فجأة هل استطاعت الإدارة المريكية تجميد أزمات المنطقة حتى تستطيع التعامل مع ملفات أخرى؟

من حيث المشهد السياسي فإن وثائق ويكيليكس الأخيرة لا تؤكد نية واشنطن في تجميد الأزمات فقط، بل توضح أن هذا الأمر ربما تم إبلاغه لبعض الأطراف العربية أيضا، فالدخول في مفاوضات رغم قناعة الإدارة الأمريكية عدم جدواها حسب وثائق ويكليكس يطرح مؤشرين: الأول أن تجميد الأزمات يستند أساسا لآلية لا تحمل معها إضاعة الوقت فقط، بل تهيئة المناخ للتعامل مع الأزمات بعد إسقاط العوامل التي أدت لفشل إدارة بوش في التعامل مع صراعها في الشرق الأوسط، فمنذ ظهور باراك أوباما في اسطنبول والقاهرة طرأ بعض التبدل على العلاقة مع إيران، وتحول الأمر من معسكرين إقليميين إلى تداخل واضح في عملية الفرز السياسي مع إخراج "إسرائيل" كخط لفرز المواقف، وأصبح "الخطر الإيراني" هو المقياس لهذا الموضوع.

الملاحظ هنا أن هذا الأمر يتم في زمن بدأت فيه طهران تعاني صعوبات واضحة اقتصادية على الأقل جراء صراعها الطويل مع الغرب، فالمناورة الأمريكية تأتي في زمن يبدو حاسما وهو يطرح مقدمات للتعامل بشكل منفرد مع دول المنطقة بعد تخفيف الحدة التي ظهر عليها ما كان يسمى بمعسكري الاعتدال والممانعة.

المؤشر الثاني أن الولايات المتحدة ستتعامل مع الشرق الأوسط وفق خارطة ربما لا تتيح لدولها هامشا كبيرا في ترتيب تحالفات كتلك التي ظهرت منذ احتلال العراق، ورغم التطور الكبير الذي شهدته العلاقات في المنطقة نتيجة سياسة تركية في "خلق التوازن"، لكن الجامع الأساسي الذي نتج عن احتلال العراق لم يعد نفسه وهناك "معركة مصالح" مؤجلة في العراق، وبوادرها ظهرت في معركة رئاسة الحكومة التي حُسمت لصالح نوري المالكي.

إدارة الصراع القادم بالنسبة للولايات المتحدة لن تكون على شاكلة ما قام به بوش حتى ولو استطاع "تكتل الشاي" من الجمهوريين فرض أجندته على الرئيس أوباما، لكن الشكل الجديد ربما يكون أخطر على الأخص إذا تم التعامل مع التناقضات الإقليمية التي تم التأسيس لها منذ احتلال العراق في هذا الصراع، فهل نحن أمام دورة جديدة من التوتر وربما العنف في مناطق الأزمات؟ هو احتمال لكنه على ما يبدو يمر دون سياسات إقليمية واضحة.