أعرف ان المسألة رمزية، لكن مسألة تلويح اليد لعام أمرا لا استطيع تخيله، وفي لحظة أدرك أن طريقة توديع العام هي ثقافة متبدلة، وتسير وفق سنين العمر باتجاه مختلف، ففي المراهقة يمكن ان نكتب كلمات، لكن مع الثورة الرقمية أصبح الأمر أصعب، وبدا "التجريد" في أوجه بحيث غدت مسألة الوداع أمرا يؤرقني.

يمكن ان اتحدث عن "شرود" في الذهن يمكن ان يلازمني لأنني لا استعرض الأحداث بل تهاجمني، فأتعايش معها تماما كما تصر بعض المؤتمرات او الندوات على فرض "التعايش" كمصطلح لا هروب منه، لكن تعايش مختلف لأنني أتحول من أنثى إلى مرصد يريد التسجيل أو الاحتفاظ بالزمن، فهل هذا ممكن؟!

استخدم الزمن هنا بإيقاعه الفني الذي يمسح عن الوجه سحره كلما مرت السنين، وربما بالعكس يزرع البريق في العيون، ونحن لا نختار حلا من اثنين بل نحاول الهرب باتجاه ما يتعبنا أحيانا أو ما يجعلنا قادرين على رسم ابتسامة فينساب المن بشكل سلس على مسامات جسدنا.

ولا أعرف لماذا يطل "فرويد" علي في لحظة التفكير بعملية الوداع، فأتذكر "العملاقين" الذين وضعهما داخل حياة الإنسان: الجنس والموت، ولا أريد الدخول في التفاصيل لكن الانطباع في نهاية أي عام أن أحد هذين العملاقين ينحدر على حساب الآخر، فيكبر الموت ويتقزم الجنس، أو يكون العكس وذلك حسب إيقاع الزمن او السنوات دون وجود قاعدة جازمة، لأنني أرى أحيانا شبقا في وجوه خط الزمن عليها مسارات، وأرق قلقا في مساحة بعض أعين الشباب، وهي مجرد انطباعات لا غير ربما يكون رحيل السنوات مسؤولا عنها.

لماذا علينا التفكير كثيرا بهذا الأمر؟! لأن العملاقين يسجلان في لحظات انهيارا قويا فلا نرغب بالموت ولا بالجنس، ولا أعرف ما تفسير فرويد للحظة الانهيار، لكن الأمر المؤكد أن هذا الأمر لا يشكل ملاحظة علمية لأنه مجرد خاطرة تمر في نهاية العام وفي لحظات الوداع إن صح التعبير، فكيف يمكن ان نصوغ وداعا ملائما دون التلويح باليد او تسجيل ملاحظات على الورق أو حتى بعيدا عن الرسائل الإلكترونية واستخدام كل مخدمات الإنترنيت في العالم؟؟

هناك طرق لا بد من ابتداعها حتى يصح العمر نوعا من "الاتساق" المكون الذي لا يعرف مسألة توديع السنوات بهذا الشكل المربوط بالزمن الأرضي، فهل علينا النظر إلى سماء من جديد كي ندرك أن ما يحدث هو ليس إلا حدثا كونيا محفورا بمجرتنا.... الأمر ليس مجازيا ولكن طالما تساءلت لماذا تصبح السماء مساحة نشاطنا في لحظات الشغف أو الوجد، فندعو ونحن ننظر إليها، ونلوح بالسيوف والبنادق باتجاهها، ونطلق الأعيرة النارية للأعلى ونتأمل ونحن نودع العام ونحن ننظر إليها... هل الأرض أمنا أم هي السماء!!!!