الكاتب : نضال الخضري

هي بيضاء لأنه من المفترض أنها خارج الحسابات، وهي أيضا لم تدخل في مساحا الأجندات الإعلامية، وهي في النهاية تشكل التجربة التي كانت مستبعدة لمجرد أنها لا تحاول التعامل بشكل تقليدي مع الكتابة، فتبحث عن "مساحتها" بشكل يصورها ويرسمها، فالتدوين ليس سرا أو معادلة يجب علينا تعلمها، لأنها تنطلق من ذاتية ما نريد بدلا من "الحسابات" التي يطبقها اليوم الإعلام على هذه الحالة.

لا أعرف لماذا يريد البعض أن يجعل نقطة التقاطع ما بين الإعلام التدوين "حالة احتواء"، فالمدون ليس "ناشطا" بالضرورة، وربما لا يطالع أخبار الجزيرة، ولا يتعامل مع "الجزيرة توك"، أو ربما يرغب مثلي بكسر القواعد والحديث عن شارع تمر به السيارات فيكتب "المجتمع" بدلا من ان يغرق بالسياسة.

الأيادي البيضاء هي في النهاية لم تشكل ظاهرة لا في سورية ولا في غيرها، لأننا أمام أداة للتعبير عن الذات أو هكذا أتخيل، وللآخرين أن يرسموا تصوراتهم وأن يكتبوا من جديد وأن يضعوا تصوراتهم حول المدونات، فجمال التدوين هي في "الشغف" الذي يدعونا أحيانا لالتقاط الصور الخاصة بالوجوه أو لتسجيل مشاهد حياتية فنصبح على أعتاب جنة مختلفة هي "فردوس الإنسانية"، بدلا من "جنة المتقين"، فأن نشاهد الناس يعني أن نعشق من جديد هذا التكوين الذي يلفنا، ثم ندع الإعلام يهتم بمن يريد.

لماذا علينا أن نختار التدوين في زمن الموت البطيء للحرف؟! ربما لأننا نعيد إنتاج الحرف ممهورا بلغة الوجه والجسد، وبتقلبات العيون على المساحات الدافئة، فللحياة سحرها الذي يجعله التدوين صورة مجنونة تدفع أكثر لدخول مغامرة البحث الإلكتروني، فالأيادي البيضاء تنطلق بكل اتجاه حتى ولو أراد البعض "استخدامها" لكنها شكل مختلف عما نتخيله أو ربما نسعى لوجوده.

ستتجاوز الأيادي البيضاء نفسها عندما تستطيع القفز فوق الإعلام، لأنها تتعامل مع حساسية الحياة وليس مع طرق الحدث، أو استنزاف اللحظة حتى يشعر أصحاب المؤسسات الإعلامية أنهم اغتالوا تجربة إنسانية كي يحققوا سبقا إعلاميا، فكمدونة أعرف أن ما يهمني هو خفقة في قلب يمر جنبي أو نظرة عابرة لوجهي أو معاناة رجل في منح طفله ممكنات أكثر... والقائمة تطول لكنها تبقى منطلقة من ذاتي.... من شغفي بالحياة ومن رغبتي في معاندة من يعتبرون أنفسهم أوصياء على المعرفة التي يبثونها على طريقتهم سواء من على "المنابر التراثية" أو من خلال قدرتهم على امتلاك أكبر المؤسسات الإعلامية.

لا فرق لدي سواء أقرأ مدوني فرد واحد او عشرة آلاف، فأنا في النهاية أضع ذاتي على المساحة الافتراضية وأمارس حريتي في تخيل ما أريد أو ابتداع عالم لا يتم فيه امتطاء التدوين على نفسي الطريقة التي تمارسها اليوم شبكات الإعلام الكبرى لأن التدوين ليس جارية بل أنثى تعرف طريقها.