الكاتب : مازن بلال

الكل يرغب في "كشف المستور" حسب محطة الجزيرة، فالوثائق على ما يبدو هي اللعبة الإعلامية المفضلة اليوم ليس لكشف السياسات، بل لتحقيق زمن خاص بالإعلام، فالمعلومات التي يتم وضعها تسير بشكل مستقل حتى اللحظة عن السياسات التي تبدو أنها لا تستطيع أو لا ترغب في تبديل أجندتها، فما يحدث ربما يتجاوز مسألة السبق الإعلامي لأنه يعيد كتابة المجال الافتراضي وحتى الفضائيات بشكل جديد.

عمليا فإن الأستاذ حسنين هيكل ومن على "قناة الجزيرة" تحدث عما قامت به وثائق ويكليكس في ثورة تونس، لكن هذه المسألة من الصعب التيقن منها، ورغم أننا لا نستبعدها إلا ان لتونس ظروفه الذاتية، في وقت لم تحرك الوثائق أي ساكن في مساحات جغرافية أخرى وعلى الأخص في لبنان بعد ما بثته قناة الجديد، فالتسريب بذاته وبغض النظر عن المعلومات كان من المفترض أن يثير التساؤلات حول "التحقيق الدولي" وربما يؤثر على الاستقطاب الحاصل، لكن السياسيين لن يبدلوا أجنداتهم فهم مازالوا يعتقدون أن التأثيرات تبقى في دوائر السياسة العليا وليس في المحطات الفضائية.

لكن مسألة التسريبات تتجاوز في المعطيات التي تقدمها مسألة التأثير على الأجندات فقط، فهناك نوع من "تثبيت" الموقع بدت واضحة على الأخص في قناة الجزيرة عندما قدمت "وثائق التفاوض الفلسطيني"، فاحتكار المرجعية ظهر على مساحة من العمل السياسي وربما لم تكن تريد الجزيرة من "المفاوض الفلسطيني" أن يشرح آلية عمله بقدر رغبتها في إقناع المشاهد أنها وحدها تملك "مرجعية الحقيقة".

وهنا علينا ان لا نقف عند انتقاد الإعلام، فنحن أمام وصف لما يحدث في وقت لم يعد هناك من "أسرار دبلوماسية"، فللإعلام الحق في نبش الوثائق والسعي للحصول عليها، لكن السؤال يبقى في عملية الصراع على الرأي العام، حيث يبدو اليوم أن هناك طرفين: الأول هو الجهاز السياسي العربي، والثاني هو "المؤسسات الإعلامية العملاقة" التي تستطيع ليس فقط الحصول على الوثائق بل تأمين وصولها إلى أكبر عدد ممكن من المشاهدين، ويبقى السؤال هنا كيف يمكن أن يظهر رأي عام وسط هذا الاستقطاب وفي غياب الطرف الثالث من المعادلة أي "الحراك الاجتماعي" الذي يبني مؤسسات اجتماعية؟

ربما علينا عدم التركيز فقط على وسائل الإعلام لأنها تقوم بوظيفتها سواء بكشف الوثائق أو حتى في تغطية الحدث، وهي لن تستطيع أن تشكل أي بديل اجتماعي آخر، فوظيفتها في توجيه الرأي العام مازالت في حدود الدقائق التي يتم بثها، ثم يعود هذا الرأي للبحث عن المؤسسات التي يستطيع أن يعبر فيها عن توجهاتها، وفي مثال الموضوع الفلسطيني ليس هناك سوى الطرفين التقليديين... وفي لبنان هناك نفس النموذج، فهل هناك حلول؟

لا توجد إجابات واضحة عن هذا السؤال... لكن بالتأكيد يمكن البحث مجددا حول صيغ اجتماعية خارجة عن الإطار النمطي...