الكاتب : نضال الخضري

هناك اكتشافات عديدة تدهشنا نتيجة تطبيق إجراءات إدارية، فنحن ندخل مساحة مجهولة ربما نتيجة الاعتياد على شكل مخالف، أو ربما لعشوائية التكوين الذي يظهر أمامنا فجأة فلا نفهم هذه العبثية التي تهبط فجأة على "المدراء"، فيقررون صياغة ما لا يصاغ أو تركيب بناء على طريقة الأطفال وهم يحاولون إعمار الشواطئ بقصورهم الرملية.

أولى الاكتشافات التي ظهرت فجأة أمامي عند تطبيق "نظام البصمة" على الدوام الرسمي في إحدى الدوائر هي نوعية الزمن الذي يمر بطيئا، فنستطيع من خلاله تحقيق الكثير ولكن خارج "المكاتب"، أما الحالة الأخرى فهي التصادم لأن "الإدارات" و "الشعب" و "المديريات" ربما لم تصمم لحالة صمت طويلة أو عمل مستمر.

هذا الزمن يقضيه البعض بالتجول في الأسواق أو حتى بالعودة للمنازل أو بالعمل الشاق لتعويض غياب معظم الموظفين، ولكن رغم ذلك فإن الساعات المتبقية ستبقى طويلة وتحتاج إلى ولائم ربما تظهر فجأة بـ"فطور" حافل أو بشرب "المته"... ولمن لا يعرف هذا المشروب فهو يمثل ذروة قتل الوقت لأنه لا ينتهي وباستطاعة من يتناوله تعبئة كأسه عدة مرات دون كلل أو ملل.

لكن الاكتشاف الأكثر جمالا هو حجم التضخم الإداري حيث يظهر جهاز العاملين فجأة أمامك في الصباح وخلال وقت واحد تصبح الغرف والممرات أشبه بمدرسة ابتدائية تعج بأنواع مختلفة من "الطلاب المتنقلين بين الغرف دون هدف محدد، وبالطبع فكل هذه "الجحافل" لم تظهر فجأة بل هي تراكمت عبر السنوات دون تحديد إنتاجية واضحة للعمل، وهي لا تملك ذنبا سوى أنهم قبلوا توظيفها لتوفر شواغر، أو ربما خُلقت شواغر خاصة لها، ثم اعتادت أن تأتي ولا تجد عملا حقيقيا... وأخيرا تٌجبر على التواجد في وقت واحد.

لكن التواجد المكثف لـ"الموظفين" يكسر الرتابة الاعتيادية للعمل فهناك قصص تتطاير أمام الجميع، وترسم ملامح الحياة لآلاف الأسر، والقاسم المشترك هو الإحساس بالغبن واليقين بامتلاك الحق، فالكل له أعذاره ضد "النظام الإداري" الجديد، والكل أيضا كان يقوم بواجبه قبل تطبيقه، وأخيرا فإن الكل مظلوم نتيجة التواجد في وقت مبكر واضطراره للعودة حتى يترك بصمته على الجهاز الرقمي.

لكن مصيبة الجهاز الرقمي هي أخطر الاكتشافات، فعدا عن التحذيرات بان استخدامه خطر، فإنه يخضع لجدل حقيقي حول المخاطر التي يحملها، فهناك نقابات في أوروبا منعت استخدامه، وهناك آراء طبية حول خطورة التعامل معه والأمراض التي يسببها، إضافة لاحتمالات الوصول إلى أخطر الأمراض... سرطان الجلد!!

لن أتسرع في تبني أي رأي، لكن الجدل بذاته يجعل من الصعب عدم التحسب للمخاطر، فالمسألة ليست مجرد شائعات، بل تنظيم إداري يمشي باتجاه الجهاز الذي يعمل بالأشعة السينية، وللاختصاصيين رأيهم في هذا الموضوع فكيف أستطيع تجاهله...