الكاتب : مازن بلال
القضية لا تبدو مرتبطة بقوى سياسية مصرية وحوارها مع الحكومة، فنوعية الاتصالات التي جرت بالأمس على وجه التحديد توضح أن القضية هي "حوار" في مساحة أخرى، وعلى الأخص عندما بدأت الخارجية الأمريكية تتحدث عن تغير سريع للسلطة! وهو أمر لا يبدو أنه ممكن وفق المنطق الذي تسير عليه الأمور، لأن ما يمكن أن يحدث هو تحول "كلي" إن صح التعبير، وعلى الأخص أن "الصورة المصرية" يمكن أن تتغير ملامحها بالكامل.
السؤال: كيف يمكن ان نفسر الاتصالات الأمريكية وفشل "السيناريوهات" التي وضعتها لإدارة هذه الأزمة؟ بالطبع فإن الحديث عن إصلاحات وانتقال سلسل للسلطة حسب واشنطن لم يكن يحمل معه وضوحا كافيا فيما تريده الولايات المتحدة من الرئيس المصري وجهازه التنفيذي، وعندما تحدث المحللون والمعلقون عن توقف الإدارة الأمريكية في منتصف الطريق فإن هذا الأمر يحمل مؤشرين:
الأول هو ان التقارير التي لديها سواء من قبل الحكومة المصرية أو سفارتها هناك تقدم طمأنة إلى أن الأوضاع لن تخرج على السيطرة، فهي اختارت عدم التصعيد في تصريحاتها وربما استغلت الحدث للتأكيد على مسألة "الإصلاح السياسي"، لكن التطورات المتلاحقة فرضت عليها انسحابا سريعا من موقع تقديم الاستشارة باتجاه البحث عن مخرج.
الثاني القلق الأمريكي من الشرق الأوسط عموما، فالتجربة المصرية تحدث في أكثر المناطق حساسية بالنسبة لها، ومن الممكن ان تكون غرفة عمليات الشرق الأوسط هي في مصر، وبالتالي فهي أرادت تجاوز العاصفة القائمة بأي شكل فجاءت استجابتها باردة في البداية لتنتهي أمس بنوع من "الشدة" قبل أن تحترق كافة الأوراق البديلة أمامها.
بالأمس فقط أصبح واضحا أن المتظاهرين يخلقون إرباكا عاما للسياسة بالمنطقة، وبالتحديد لـ"إسرائيل" والولايات المتحدة، وهو ما دفع لردود فعل من الحكومة المصرية لحسم الأمر بأي شكل ولو عبر "العنف المدني"، ومع التحفظ على هذا المصطلح لكن الدولة رمت بكل أوراقها ابتداء من استخدام إعلامها وانتهاء بتعبئة شارع لا يملك اتجاها واضحا لكنه قادر على خلق بلبلة في صفوف المتظاهرين الذي لا يملكون تنظيما محددا.
والاشتباكات التي حدثت ودفعت بمواقف الدول الأوروبية والولايات المتحدة إلى تصعيد لهجتها نقلت حالة من عدم القدرة على تقديم أي سيناريوهات، وأدى إلى دخول تلك الأزمة لمساحة جديدة طالما أن حالة الانتقال السلس التي تريدها واشنطن لم تعد متاحة، والتفكير بالجيش لحسم الأمر سيطرح أسئلة جديدة حول تجربة تتطلب منذ البداية حسما في قمة الهرم السياسي الذي يوجد فيه قادة الجيش الآن.
ربما تشعر الولايات المتحدة أن الوقت ينفذ أمام خياراتها المتاحة، ففشل الحسم ضد المتظاهرين أسقط عمليا كل الاحتمالات التي كانت واشنطن ترغب بها، لكنها بالتأكيد ستراهن لاحقا على مواقفها الحالية تجاه التظاهرات.