الكاتب : مازن بلال

لم تكن صورة مماثلة لأن ما يحدث في ليبيا يحمل معه أكثر من "ثمن باهظ" بل أيضا كشف لتفكير نقله سيف الإسلام القذافي الذي على ما يبدو رأي أن ما يجري "تلاعب عربي"، وقبل أيام كانت ليبيا قررت "إلغاء" القمة العربية في نوع من رسم الملامح لما يجري في العالم العربي عموما، فما نشاهده تجاوز مسألة تحول في "النظم السياسية"، فهو يندرج في "انتهاء" تشكيل كان قادرا على الانسجام مع كل التحولات الدولية أو حتى المحلية، فهو في النهاية اصطدم بواقعه الذاتي، وربما أكثر من ذلك لأنه غرق في "وهم" بقي يعبر عنه وربما يقدمه في انخراطه بالنظام العربي الذي ظهر مؤخرا خلال القمة العربية في طرابلس وكأنه مجرد تجميع لا يشكل أي نظام، بل مجرد محاولات لقناع الذات بأن الزمن توقف قبل أكثر من أربعة عقود.

المسألة اليوم ليست في حسم الوضع في ليبيا، وربما ليس كما تحدث سيف الإسلام عن تهديد لـ"الكيان الليبي"، فهناك انتقال حقيقي في نوعية الخارطة السياسية التي ستظهر لاحقا على امتداد الشمال الأفريقي، دون أن يعني هذا الأمر أن باقي العالم العربي لن يتأثر، لأن التحول طال دول كبرى سكانيا واستراتيجيا والآن اقتصاديا، فهل يمكن إعادة النظر بنوعية النظام العربي عموما؟ أو حتى بنوعية ما ستحمله التغيرات الكبرى على التأثير في قضاياه حتى في باقي الدول التي تخرج عن إطار ما جرى خلال الشهرين الماضيين؟

عمليا فإن العنف الذي تمت ممارسته ضد التظاهرات في ليبيا أضاءت أن العملية ليست انتقالا إلى "مرحلة" ديمقراطية أو سياسية فقط، لأنها تحمل معها "موجة عربية" إن صح التعبير متواكبة مع حالة تهميش استمرت لأكثر من ثلاث عقود، ولم يكن يوقظها سوى حالات الاعتداء التي مارستها "إسرائيل"، لكن السياسة العربية كانت تسير وكأن القضايا المنتشرة على طول العالم العربي معزولة.

في مرحلة لاحقة تم تحويل "الصورة العربية" على أنها حالة ثقافية - سياسية تنتقل ما بين الانسجام مع الحالة الدولية أو الانتقال باتجاه "التطرف"، وهو أمر حاول سيف الإسلام ومن قبله حسني مبارك اللعب عليه عبر التحذير من "حالة إسلامية"، وهذا الأمر كان يعبر عن فصام في تفكير بعض النخب السياسية التي كانت واثقة من أن الصورة التي أمامها يمكن التحكم بها دون أي قاعدة فكرية مستندة لشخصية المجتمع، وفي النهاية فإن "الانقلاب" الذي حدث منذ منتصف السبعينيات على "الرهان القومي" بمعناه الثقافي والاجتماعي، وكان أيضا "إنقلابا" على "الموجة العربية" الأولى في نهاية القرن التاسع عشر، وانعكاس هذا الأمر سياسيا أدى إلى أمر مختلف عما كان يجري في الخمسينيات والستينيات كخلافات في "الرؤية" العربية لأنه أدى إلى سوية سياسية واحدة (تقريبا) يظهر فيها بعض الانتفاضات أو الاختراقات التي استطاعت الحفاظ على روح "الموجة العربية".

ما حدث في ليبيا أوضح أننا نشهد اليوم رسم الصورة الذهنية لمجتمعات وجدت نفسها بعد سلسلة أحداث سياسية خارج أي خيارات متاحة سوى البدء بتلك (الموجه) التي ستشكل بالتأكيد ثقافة مختلفة تعبر عن طيف عربي يتشكل اليوم سريعا.