الكاتب : نضال الخضري

قبل سنوات تسرب إلينا اعتقاد أن "الثورات" تلفحت بالسواد، وأصبحت العمائم رمزا لها، وفي مراحل "الحرب على الإرهاب" أصبحت الصورة تخنقنا كإناث يخضعن لتيار مضاد، تحصن في "تيرا بورا" وتسرب باتجاه باكستان وكان له أصداء في مناطق مختلفة، ولكننا نكتشف اليوم الصورة التي غابت عنا فلا الزي ولا الإيمان يحد من الصوت الذي يعيد نحتنا في ذاكرة العالم.

في اليمن يمكن أن نشاهد هذا النوع من التداخل الذي يجعلنا نعيد النظر في قدرة "التراثيين" على تنميط المرأة، وفي مصر أيضا كنا نستغرب من حجم "القيادات النسائية" التي قادت التظاهرات وبزي مختلط ما بين الحجاب والسفور... فهل يمكن أن نعيد النظر في مسألة "النقاب الثقافي" الذي يترنح على البعض، أو ينزاح من آخريات ليظهر وجوها تملك بريقا لكنها لا تختلف عن "التصميم" الذي تبديه من اخترن زيا "محتشما" حسب المصطلح التراثي.

نحن اليوم أمام ظاهرة مختلفة عن أي حركة حاولت "امتصاص" النساء، لأن ما حدث ربما لا يتكرر، ومن الممكن أن تعود الأنثى لبيتها لتواجه التعسف الأسري أو الاجتماعي، لكننا مدعوات للتعامل مع التنوع بشكل مختلف، ولتخلي عن المواقف الشخصية المرتبطة بالقناعات الذاتية للأفراد سواء كانوا ذكورا أو إناث، قضايا التحرر هي في النهاية ليست هجوما على الماضي بقدر كونها نظرة باتجاه المستقبل، والبحث عن "التخلف" في أشكال النساء لم تعد تصلح اليوم لأن الشباب على ما يبدو تخلوا عن الصور الاستعراضية للقضايا الاجتماعية والسياسية أيضا، وفي مسألة "التحرر الاجتماعي" فإن هناك تفاصيل لا يمكن إهمالها، وتحرك لا يقدم صورة فاقعة يقف خلفها زيف أو عجز أو عدم قدرة على استيعاب الآخر.

المسألة ليست مهاجمة الحجاب، لأنه خرج عن النطاق السابق كرمز لـ"الإسلام السياسي"، وصورة عن المرأة في ثقافة القرون الوسطى، والتجربة التي نملكها أوضحت أن المرأة دون حجاب ربما (وليس بالضرورة) تملك في داخلها صورا قاتمة لا علاقة لها بكل شعارات التحرر، فالغاية ليست الحجاب أو نزعه بل تحقيق الحرية وفق ما تريده الأنثى.

نعيد تحديد بعض القضايا وسط زمن ينطلق بنا سريعا، فنلحق به أو يدفعنا نحو رؤية مختلف كي نقرأ من جديد قضايا مازال علينا عمل الكثير من أجلها، فحرية المرأة ليست مجرد مرحلة عابرة بل تملك حيوية خاصة مرتبطة بكل التفاصيل التي تداهمنا في لحظات حياتنا.