الكاتب : نضال الخضري

المجتمعات العربية "متذمرة" ويصعب إرضاؤها، وهي شعوب تبدو قادرة في كل لحظة على طرح كلام يعبر عن عدم يقينها من المستقبل، ولكن السؤال هل هذا الأمر هو مجال نقاش؟ وهل مسألة الرضا سمة إنسانية؟
ما يحدث حولنا يقدم كشفا حقيقيا للعلاقات الداخلية في كل المجتمعات، فهي لم تطرح شكوكها فقط، بل تحاول أيضا أن تضع نفسها خارج "اليقينيات" التي كرسها التراث وشكلت مرتكزات لها في التفكير المعاصر، فهناك مراجعة من أجيال بعينها للحدث التي تعيشه، وللظرف الذي يحكمها، وهو ما يدفعها للتعبير عن نفسها بشكل مختلف كليا، فالانتقاد أو الرأي لم يعد مجتزئا كما في السابق، والمطالب التي يتم رفعها تشكل حلقة مترابطة مع مسألة المراجعة.

الانتقاد والرأي يبدو في حركة الأجيال الشابة مختلفا في طريقة استخدام الأدوات، لكنه يتشابه مع حالات التذمر السابقة التي حملتها الأجيال معها، وعبرت عنها باختلاق الطرف أو حتى الإشاعات أو بتوجيه اهتماماتها نحو لون ثقافي دون آخر، لكن الغريب هو نوع الاستجابة التي تجابه بها "العقول القديمة" إن صح التعبير مسألة التذمر بشكله القديم والحديث، فالمجتمعات تلك حيوية لا يمكن رصدها من الخارج، بل لا بد من الدخول في التفاصيل، ولا يمكن أيضا النظر إليها كحالة كلية على الأخص أن التعبير الذي يظهر اليوم "فردي" لأبعد الحدود لأنه يستخدم الإنترنيت وصفحات التواصل الاجتماعي.

في ليبيا الأمر ليس انتقادا أو رأيا إنما محاولة لإثبات الوجود، ولجعل المجتمع "رقما صعبا" لا علاقة له بالحقائق المفروضة من البناء الفوقي، أو النخب مهما كانت سياسية أو اجتماعية أو ثقافية، وفي الشارع العربي عموما هناك محاولة للتملص من تلك المرجعيات المنكفئة أصلا، وهي اليوم أشد صمتا وكأن ما يحدث لا يشكل بالنسبة لها ظاهرة يمكن أن ينبني عليها إنتاج مختلف في نوعه وصورته.

ليس مطلوبا من المجتمعات أن تكون وفق سوية واحدة، فهي في النهاية مكونة من بشر يصعب عليها التأقلم دون محاولة للتأثير بفعل العقل على الأقل، وكل ما يحدث أمامها يخضع للمراجعة سواء عبرت عن ذلك أو فضلت الاحتفاظ بالرأي لنفسها، وهي في النهاية أمام حالة مفتوحة تشاهد فيها صورا مختلفة وعليها أن تخلق صورتها كي تشعر بوجودها، والغاية هنا ليس إرضائها بل أن تشعر بأنها كيان موجود وليست "رعية" على سياق العصور الوسطى.

في ليبيا شارع كسر النمطية التي ظن البعض أنها سمة ملازمة له، وفي لبنا كسر لتلك النمطية ولكن باتجاه آخر، وفي المسافة الفاصلة ما بين العنف الذي ظهرت فيه عملية الكسر في ليبيا وبين النموذج الذي قدمته مصر هناك ظاهرة لا يمكن رصدها فقط عبر تصنيفها إلى نقد أو رأي أو تذمر لأنها إحساس بالذات، وشعور بأن الوجود يستحق أن يعيشه الإنسان بشكل مختلف وبحيوية تنقل عنفوان الحياة.