الكاتب : مازن بلال

انعطاف الحدث الليبي باتجاه العنف هو الذي آخر تحقيق مطالب المتظاهرين في اليمن، فالرئيس الليبي اختار المسار الذي حول عمليا مساحات التحول العربي، وكان واضحا منذ الأيام الأولى أن نجل معمر القذافي ليس مستعدا للتعامل مع الأمر إلا بشكل "شخصاني"، وأن تضخم الذات جعلته يقدم كل ما تختزنه دائرة "التسلط" وليس السلطة، فهو شاهد الحدث من نقطة أعلى من المجتمع وربما خارج إطار أي تفكير سياسي.

عبر النموذج الليبي أصبح كل شيء ممكن، ونحن أمام احتمالات تدخل أجنبي، في وقت لا تستطيع جامعة الدول العربية اتخاذ مواقف أكثر وضوحا في اتجاه "شرعية الحكم" في ليبيا، وفي اليمن تلقفت الدوائر السياسية هذا العامل الجديد، وتعاملت معه على أنه يشكل كبحا للتحركات الاجتماعية التي اجتاحت البلاد قبل أن تبدأ العاصفة الليبية، واللافت أنه في الوقت الذي يتم فيه الحديث عن ضرورة "تنحي" الرئيس الليبي، وعلقت الجامعة العربية عضوية ليبيا، فإن الرئيس علي عبد الله صالح أرسل أمس موفدا له إلى طرابلس.

اليمن يتعامل اليوم مع ظرف متشابك، والارتباك الحاصل سواء داخل السلطة السياسية أو المعارضين لها مختلف عما كان سابقا، فهو إرباك يتعلق بتحولات الموقف الدولي وبعدم التقدير الصحيح لطول المدة الزمنية التي تسير فيها الثورة اليمنية، وفي نفس الوقت فإن مسألة انفصال "الحراك الجنوبي" بدأ يشكل أزمة واضحة داخل المشهد السياسي، رغم أن الحسم السريع للثورة كان سيجنب البلد تبعات مثل هذا الانفصال، فالحلول الديمقراطية غالبا ما تكون "حلولا إبداعية" كونها تستطيع إزالة الحساسيات بشكل سريع.

في المقابل فإن عين النظام العربي الرسمي تحاول تجنب النظر إلى الوضع اليمني، فهو بوابة الثورات باتجاه الجزيرة العربية، بينما يبدو الوضع مختلفا في ليبيا فهناك بالدرجة الأولى مسألة النفط التي جعلته يقفز إلى محور الاهتمام العالمي، وثانيا هناك ثورتين مجاورتين لليبيا تجعلها جغرافيا على الأقل في وضع أكثر ارتياحا، والملاحظ هنا أن الموقف العربي ليس فقط تجاه ليبيا بل أيضا تجاه اليمن سيشكل نقطة إنطلاق للتوجه العالمي الذي أصبح دون رؤية لما يمكن أن يحدث.

الموقف الدولي كان ينظر إلى اليمن من زاوية القاعدة، والمفاجأة أن مسألة الإرهاب أصبحت وهما بعد انفجار الثورة هناك، وحتى بالنسبة لـ"الحوثيين" فإن هناك حالة من تحول الاتجاه حيث تظهر اليمن خارج كل الخطوط الدولية المرسومة سلفا، فالثورات العربية بدلت ثلاث أمور أساسية:

الأول هو ما حدث في مصر حيث أصبح هناك ضرورة لإعادة رسم الموضوع الفلسطيني خارج مسألة التسوية بشكلها الكلاسيكي، فمصر ربما لا تلغي اتفاقياتها مع "إسرائيل" لكنها لم تعد قاعدة انطلاق الخطط باتجاه العالم العربي.

الثاني في اليمن عندما ظهر موضوع القاعدة وكأنه مجرد خط مواجه افتراضي تكسر مع الاحتجاجات، فالعلاقة مع الجزيرة العربية عموما لم تعد ممكنة وفي مسألة "الإرهاب" وموضوع القاعدة.

الثالث هو ما ترسمه المعارك في ليبيا لأنه على ما يبدو سيعيد رسم علاقات العالم بالاتحاد الإفريقي عموما وذلك استنادا لانتهاء الدور الليبي كممول أساسي لاختراق تلك القارة.

اليمن في اللحظات الأخيرة لا يلخصه العنف الموجه ضد المتظاهرين، لأن هذا العنف هو الرهان الدولي كي لا تسقط الجبهات التقليدية التي تم بناؤها بين العالم والشرق الأوسط عموما.