دمشق - مازن بلال

سارت عمليات التشييع للضحايا الذين سقطوا يوم الجمعة في دوما دون حوادث تذكر، فيما بينت مصادر مطلعة من المدينة أن اجتماعات عقدت حتى فجر يوم الأحد بين مسؤولين و "وجهاء" من المدينة لحل حزمة من المشاكل، وتجولت بعض "كاميرات" الفضائيات السورية داخل دوما "ناقلة" مطالب المواطنين، وكان واضحا أن أجواء التوتر انعكست على المتحدثين رغم أنهم لم يتطرقوا إلى أي جانب سياسي.

أجواء مدينة دوما رافقها أكثر من مجرد عمليات التشييع، فهناك إفراج عن المعتقلين من أهالي المدينة الذين اعتقلوا خلال أحداث الجمعة، هناك أيضا حديث عن أن الجرحى سيتم علاجهم على نفقة الدولة إضافة لحزمة إصلاحات مرتبطة بالحالة المعيشية، في المقابل بقي الإعلام السوري الرسمي وفضائية الدنيا تفكك ما يحدث على قياس حملة مضادة في مواجهة تغطية مستمرة من قبل فضائيات أخرى، وبدأت كلمتي "المؤامرة" و "العصابات المسلحة" تغييب تدريجيا لصالح كلمات أخرى مثل "المسؤولين عن العنف"، حيث يبرر بعض المراقبين هذا الأمر على أنه محاولة لتخفيف التوتر الإعلامي على الأقل تجاه ما يحدث، وربما إفساح للحلول السياسية التي برزت منذ أسبوعين تقريبا.

الأمر الآخر الذي طفا على سطح الحدث أمس هو تكليف الدكتور عادل سفر بتشكيل الحكومة، وتسريبات على أن لجنة قانون الطوارئ ستنهي عملها قبل نهاية الأسبوع، لكن الأسئلة التي تنتقل من أسبوع لآخر تبدو أكثر تعقيدا، وإذا كانت البرامج الحوارية على الفضائيات تطرح "مواقف" معارضة أو مؤيدة لكنها في المقابل تبتعد عن تحديد الأسئلة الخاصة بتلك الاستحقاقات التي برزت فجأة داخل الدولة من خلال اللجان المشكلة لخلق إصلاح ربما يقلب الأولويات بالنسبة لسياسة الحكومة التي سيترأسها الدكتور عادل سفر، أو حتى بالنسبة للمواطن وللنخب الثقافية والسياسية التي تظهر على الشاشات لتحاول تقديم التفسيرات أو الآراء لما يجري.

المؤشرات حتى اللحظة تقدم اتجاهين لا يمكن تجاوزهما:

الأول مرتبط باللجان المشكلة وبالدراسات التي ستقدمها ومن المفترض أن تؤثر نتائج أعمالها على الخارطة السياسية، فحتى إذا أخذنا برأي من ينتقدون "استبدال "قانون" بـ"قانون"، لكننا سننتقل من جدل بحالة الطوارئ إلى تحديد "القانون الجديد" وما سيفرزه من نتائج، فنحن أمام سوية نقاش جديدة، علما أنه مهما كانت نوعية التغيير فهي ستطرح بيئة جديدة يجب تطويرها مع التذكير بأن مسألة "الطوارئ" أوجدت على امتداد السنوات الماضية نوعا من "التكيف" معها فالدستور الحالي وضع وتم الاستفتاء عليه في ظل هذه الحالة، ومعظم المؤسسات الرسمية والمدنية ظهرت في ظله، فهو على الأقل في الحركة الاجتماعية أصبح أمرا واقعا لا يكفي "رفعه" فقط لتجاوز كافة نتائجه، فنحن لسنا أمام واقع قانوني فقط بل ثقافي أيضا ، وينطبق هذا الأمر على مسألة "التجنيس" أو "إزالة آثار الإحصاء الاستثنائي لعام 1962"، فهو ليس مجرد أمر تقني طالما أن هناك أجيالا ظهرت في ظل نتائج هذا الإحصاء الذي جرى في ظل حكومة الانفصال وليس في مرحلة حزب البعث، فتبعاته الحالية من الصعب أن تحقق العدالة القانونية طالما أننا نتحدث عن أكثر من أربعة عقود شهدت نموا سكانيا حتى بالنسبة لم لا يحملون الجنسية، وحدثت تحركات ديموغرافية على امتداد سورية بأكملها.

الثاني مرتبط بنوعية "الحملة أو الحملة المضادة"، وذلك بغض النظر عن موقفنا بما يجري فمسألة "الحملة" هي محط تساؤل أيضا، فنحن اليوم نملك كما من المواقف والمطالب ولكن دون رؤية مستقبلية، وربما على امتداد العقود الماضية كانت "المسائل الخارجية" تحدد المواقف نظرا لحدة الاستقطاب في الشرق الأوسط عموما، لكن ما يحدث اليوم هو ان الموقع السوري يظهر وكأنه مفصل يظهر فيه الوضع الداخلي خارج الإيقاع الاعتيادي، فالسياسة الداخلية عليها أن تواجه تحديها الذاتي وبشكل منسجم مع أدوارها الإقليمية، وهذا الأمر يتطلب أكثر من مجرد إعلان المواقف أو تحديد المطالب، لأنه ينتقل لمرحلة إيجاد الإستراتجية المتكاملة في ظل الثورات العربية مع تفاوت إيقاعها إضافة لتحديد المسار الداخلي الذي يعرف تماما أن معظم القضايا التي بدأت منذ عام 1948 ماتزال عالقة حتى اليوم.

الحدث اليومي يتسارع وكسر احتمالية "التراتب" الذي يظهر عليه وكأنه نوع من السباق ما بين الإجراء الحكومي والمواقف المعلنة على الفضائيات يحتاج لكسر "الاحتمال" من قبل الجميع، فضرورة رسم "الرؤية" اليوم لا تقتصر فقط على عمل اللجان من قبل الدولة ولا على تكرار المطالب فقط التي تنقلها الفضائيات لحظة بلحظة، فبناء الرؤية لا يتم على إيقاع "البث المباشر" بل ربما بجرأة المؤسسات المدنية والرسمية على فتح نقاش جاد تطرح فيه "الأسئلة الصعبة" التي تواجهها اللجان المشكلة اليوم، ويواجهها المواطن أيضا مهما اختلف موقعه.