الكاتب : نضال الخضري

هناك استحضار حقيقي لطاقة نفسية هائلة قبل أن يمر يوم الجمعة دون أن يدوس على أعصابنا، رغم ان الحياة تعود إلى إيقاعها مع احتفاظ الناس بتلك الذاكرة المشوشة من حدث ينتظر يوما جديدا كي يتخذ سمة مختلفة تساعد على فك إشارات الاستفهام، فالمسألة هي صور متقطعة تدعو للبحث عن نقاط "فض اشتباك" إن صح التعبير، وهو فك اشتباك بالمعنى المعرفي، أي فصل "إشارات الاستفهام" وعزلها من أجل قراءة مسار الحدث، ولكن هل يتيح الحدث بذاته مثل هذا الأمر.

في أيام الأسبوع هناك استيعاب لنتائج ما يحدث، وهناك محاولة للملمة المساحات الناقصة والمبعثرة داخل الأيام أو الساعات، لكن "الدم" هو الذي يجعلنا نقف عاجزين عن رسم مشهد متكامل لأنه في النهاية دم سوري سواء كان لرجال أمن أو لمتظاهرين، وسواء صحت الرواية الرسمية أو تلك التي ينقلها "شهود العيان"، فالمسألة أننا نتعامل مع مواطنين مهما اختلفت مواقعهم، والمسألة أيضا أننا نقف أمام حجم من "المطالب" خلال أيام الأسبوع لا تبرر مسألة الدم، بل على العكس تضعنا أمام استحقاق أكبر في مسألة المواطنة، وتكتب أن تلك الأيام هي "المنعطف" للجميع كي يحققوا المواطنة بكل أساليبها، وبقدرتها على تحديد مسار لا يعفي أحد من مسؤولياته، فتتحدد البرامج والرؤية بالنسبة لكل طرف.

ما يجري ليس مشهدا عبثيا يمكن التقاطه من الفضائيات، والعمل على ما يبدو أصبح يملك شروطا مختلفة حيث نكتشف أننا نملك "أشباها" مجردة، فهناك "شبه إعلام" و "شبه معارضة" و "شبه أحزاب" تتحرك أولا تتحرك وأخيرا نملك "شبه احتجاجات" رغم العنف والدم الذي ظهر في بعض المناطق، لأنه في المقابل هناك صور أخرى تثير الحيرة لتظاهرات ربما تملك نفس الشعارات ولكنها سارت بسلام.

الغائب الأساسي اليوم هو محاولات رسم الرؤية لسورية التي نحيا عليها، وتشهد حالة غير مسبوقة على الأقل خلال العقود الأخيرة، ولا يمكن قياسها إلى تجارب قريبة منا فهي ليست فريدة أو متفردة لكنها تتخذ سلوكا من الصعب أن يحدد مسارا نستطيع تحليله، فتراكب الصور فيها ليست مزعجة فقط بل ومُربكة لأنها مازالت حتى اللحظة تعتمد على "حرب إعلامية" رديفة تقدم لنا المعلومات والمسار وهو أمر لا يرضي أحد.

هل علينا التحرر من الإعلام حتى نستطيع التحرك؟ وهل حسم المسألة يحتاج إلى ثمن آخر يدفعه الجميع دون استثناء؟ وهل هي مجرد مسألة سورية عابرة سنتذكرها بعد أن نستطيع استيعاب نتائج ما يجري في تلك اللحظة؟ هي أسئلة آنية يمكن أن نتعامل معها إذا استطعنا استعادة المبادرة لتكوين "الرؤية" حتى ولو اختلفت وجهات نظرنا، لأن المطلوب في النهاية أن يوجهنا "قلق الرؤية" وليس توتر أجهزة الإعلام".