دمشق - مازن بلال

ظهر المشهد أمس متداخلا ما بين "الحسم" في مدينة بانياس ومحيطها، وتحول الخطاب العام باتجاه إعادة قراءة ما يحدث على الأخص أنه دخل "دورة عنف" ربما لم يكن يتوقعها حتى أهالي بانياس، وفيما تحدثت المصادر الرسمية عن تسليم مجموعة مسلحة لنفسها وبدء الانتهاء من عملية مطاردة المسلحين، فإن الوكالات الأجنبية حاولت التعامل مع صورة مختلفة يظهر فيها "المشهد القمعي" وذلك بغض النظر عن الظروف التي أحاطت الحدث ككل على الساحل السوري.

ونقلت صحيفة الوطن أنباء عن حوار ما بين وجهاء مدينة درعا ونائب الرئيس السوري فاروق الشرع، وبشكل يؤشر إلى أن التحرك السياسي مستمر رغم العنف الذي طفا على مسرح الحدث في بانياس، وبعيدا عن الروايات التي يتم تناقلها عبر الفضائيات فإن المقاربات بقي مستمرة سواء عبر البرامج الحوارية التي قامت بها بعض القنوات، أو حتى من خلال وجهات النظر التي تم تقديمها في نشرات الأخبار المطولة، وهو ما دفع السؤال الأساسي ليصبح عنوانا أساسيا كيف سيبدو الحراك السياسي والاجتماعي خلال الأسابيع القادمة؟ على الأخص أن هناك أنباء عن قرب إعلان التشكيلة الحكومية التي من الممكن أن تظهر خلال الساعات الأربع والعشرون القادمة.

بالتأكيد فإن الاهتمام الإعلامي بالحدث السوري ليس غريبا، فهو من حيث نوعيته يكتسب أهمية خاصة ليس فقط في إطار الرصد لما يحدث في الشرق الأوسط عموما، بل أيضا للتركيز على دمشق التي بدت خلال الأشهر الماضية نقطة ارتكاز للأزمات، فما يحدث فيها اليوم يعتمد أيضا على رهانات مرتبطة أساسا بالرؤية العامة للشرق الأوسط، وهو أمر لم يتم التركيز عليه داخل الحدث المصري أو التونسي أو حتى اليمني، فالقراءة في تلك الثورات العربية كان محليا لأقصى الحدود، بينما حاول البعض استقراء الاستراتيجيات القادم لتلك الدول وعلى الأخص العلاقة ما بين مصر وإسرائيل، لكن هذا القياس يختلف تماما عما يجري في سورية فنوعية التغطية الإعلامية على الأقل تقدم مؤشرين أساسيين:

الأول نوعية الرهان على "التحول المباشر" في الخارطة السياسية السورية، فهناك نوع من البحث عن القفزات التي ستحدث على المستوى اللبناني والفلسطيني وحتى على صعيد الدورين التركي والإيراني جراء الحدث السوري، وهناك العديد من التحليلات التي ظهرت في الصحف حول هذا الموضوع وباتجاهات متعددة، فما بين الحديث عن "مخطط" مرسوم خارجيا وصولا إلى رسم ردود أفعال الدول المجاورة لسورية فما لو حدث أي تحول، كل هذه الأمور لا تعكس أجندات سياسية بقدر ما تقدم تداخلا ما بين الموقف الداخلي لسورية وانعكاسه على سياستها الخارجية، فهل هذا البحث يعتمد منهجية واضحة أم أنه مجرد رهانات فقط.

الثاني هو عدم الاكتراث لمسألة "تفجير الأزمات" أو حتى نسفها، فالإجابة عن السؤال المطروح سابقا لن يكون دقيقا دون الأخذ بعين الاعتبار أن توزع الأدوار الإقليمية اليوم لا يعبر عن رغبة دولية كاملة، فهناك مناطق صعبة ازدادت وعورتها بعد أحداث ثورة مصر تحديدا، ويصعب في هذه اللحظة استقراء الموقف المصري تجاه "أزمات المنطقة" عموما، وعملية نسف الأزمات ربما يتيح إعادة ترتيب الأوراق من جديد، فهل ما حدث في سورية يدخل في هذا الإطار؟

ليس هناك إجابة كافية عن هذا السؤال، فبالتأكيد هناك حاجة لبناء "رؤية سورية" بعد الثورات التي اندلعت منذ بداية هذا العام، وفي نفس الوقت فإن المسار الذي اتخذته التحركات في سورية مازال يحمل معها الكثير من الأسئلة التي تحتاج للبحث، فالمسألة ليست فقط الصراع ما بين الروايات بل أيضا إعادة رسم القوى الاجتماعية وهي عملية ستعتمد بالدرجة الأولى على "الحراك السياسي" الذي يمكن أن يُبنى، فالحديث الهادئ ربما يبدو في هذه اللحظة خارج الإيقاع لكنه يمكن أن يظهر من مساحة مختلفة تستطيع أن تقدم تصورات هي برسم المستقبل.