الكاتب : نضال الخضري
الغرابة هي في القدرة السريعة على تحليل "فحوى الخطاب" ثم الاعتراض عليه... هذه هي المسألة المقلقة التي تجعلني أفكر في مسألة القدرة على الاعتراض السريع التي تجاوب معها البعض مساء امس ليرفعوا من سقف المطالب، فالقضية ليست الرضى على الخطاب او عدمه بل رد الفعل السريع الذي يبدو وكأنه محضر له سلفا.
والغريب أيضا أن "السيناريو" الذي ظهر في الفضائيات خلال الثورة المصرية يطبق فورا في الحالة السورية، فهناك انتظار للتصريحات الرسمية كي يتم الرد عليها بنفس الطريقة حتى ولو كانت تلك التصريحات أو الخطابات تحتاج ردا آخر، فما حدث بالأمس يدعو إلى الإرباك بالنسبة لأي محاولة لرسم الحراك الاجتماعي خارج الأطر الرسمية، لكن المقاربة مع النموذج المصري تبدو لي أكثر تشويشا لأنها تحمل مفارقتين:
ففي البداية ربما أصاب القوى السياسية الذهول لكنها تحرك بعد أيام، وظهرت لجنة الحكماء وشهدنا تحركا سياسيا ولو أنه كان مرفوضا من قبل المجتمعين في ميدان التحرير، والنموذج المصري المحبب بالنسبة للبعض يظهر في عناوينه العريضة على سطح الحدث السوري ولو إعلاميا، وبالتأكيد لا نريد أن نحمل الشارع السوري بأكمله، وليس من يتظاهر، مسؤولية فوق طاقته لكننا لا نجد أمامنا سوى عناوين للتظاهر في وقت تبدو الدولة هي صاحبة المبادرة الملموسة سواء كانت هذه المبادرة كافية أم ناقصة.
المفارقة الثانية هي عدم وجود غايات نهائية معروفة او واضحة، والأصوات التي تأتي من الخارج تبدو حاسمة لأنها تسير باتجاه "تصفية النظام"، وهيثم المانع يتحدث عن أن هناك 40% في الشارع والباقي يتفرجون، وبغض النظر عن النسبة فإن سؤالنا هو هل الباقي يتفرجون؟ أم أنهم حسموا موقفهم؟ في النموذج المصري كان الأمر مختلف فمن بتفرج لم يكن يظهر على الساحة، لكن للحقيقة فليس هناك متفرجين في سورية، ربما هناك من لم يشاركوا في التظاهرات وهو موقف بحد ذاته ليس سلبيا لأن يعكس صورة بالتأكيد ليس منها "الخوف"، فما يحدث في سورية تجاوز مسألة الخوف.
تكوين القوى الاجتماعية في سورية لا يمكن قراءته فقط على ضوء التظاهرات الحالية فقط، أو وفق مؤشر ما يقدمه الإعلام السوري أيضا، فغياب الحراك السياسي يجعل الاحتجاجات غامضة في مستقبلها أو حتى في قدرتها على رسم تصور غير ذلك المطروح من خلال التحليلات المقدمة من الخارج، والشارع السوري الذي عاش هدوءا على مستوى "التفاعلات" السياسية الداخلية من الصعب عليه ان يختار اليوم "المنطقة الرمادية"، فهو يحتاج لوضوح أكبر ولمشروع يقدم له الغايات النهائية وآليات الحرية التي يتطلع إليها.
الاحتجاج يحمل لي على الأقل غرابة ليس لأنني موافقة على إجراءات الحكومة، أو حتى قادرة على الانسجام مع حالة الطوارئ او عدم وجود أحزاب، لأن الغرابة هي في مسألة التمثيل فهل من يخرجون بعد دقائق من أي تصريح رسمي يمثلونني؟ وحالة الاستعراض في التظاهرات ألا تشبه نفس الشكل الذي أزعجنا في أعضاء مجلس الشعب الذين "يمثلوننا" أيضا...
آخر "غرابة" يمكن تسجيلها هي في عدد الصفحات الموجودة على الفيس بوك التي تحمل اسم "الشباب السوري" فهو متشابهة لدرجة الغرابة أيضا بنفس المطالب وأحيانا بنفس التعليقات الموجودة عليها... أنا لا أريد أن أشكك بل أسجل استغرابي فقط.