الكاتب: مازن بلال

ظهر تأكيد الرئيس بشار الأسد على مسألة البرامج الزمنية والمشاركة والتشاركية كعناوين أساسية في عمل الحكومة الجديدة، وكان واضحا من كلمته في اجتماعه مع مجلس الوزراء أن هناك دورا جديدا للمجلس مرتبط أساسا بمهام سياسية وليس فقط بأعمال تنفيذية، وهو مؤشر إلى أن الآلية السياسية ربما ستسير بشكل مختلف وأن بعض القوانين التي تمس عمق الحالة السياسية مثل قانون الأحزاب، لن تنتظر المؤتمر القطري أو حتى انتخابات مجلس الشعب، وهو أمر يطرح سؤالا أساسيا حول طبيعة المرحلة الدستورية الجديدة التي يمكن ان تدخل إليها سورية خلال الأشهر القادمة.

عمليا فإن "المتظاهرين" لم ينتظروا "التحليلات" حول الخطاب بل خرجوا في بعض المناطق للاحتجاج، فيما لم تسجل أي أحداث عنف لكن وحسب الفضائيات فإن سقف المطالب تم رفعه في بعض المناطق، وتزامنا مع هذه التطورات فإن الدعوات ظهرت مجددا على الفيس بوك للتظاهر في ذكرى الجلاء، حيث من المقرر أن تشهد دمشق أيضا كما ذكرت بعض المصادر احتفالا بهذه المناسبة يقيمه حزب البعث.

التحليل العام لأحداث يوم أمس يضعنا في مواجهة مباشرة مع تثبيت واقع سياسي في سورية، ففي عشية الجلاء تبدو الخارطة متمحورة حول ثلاث امور:

الأول إخراج خارطة طريق للدخول باتجاه المرحلة الدستورية الجديدة، فالدولة والمؤسسة السياسية رغم "التظاهرات" لديها أجندة مضطرة للتعامل معها مثل انتخابات مجلس الشعب والإدارة المحلية، وهي لا تريد تنفيذ هذه الأجندة بشكل اعتباطي أو بالطريقة التقليدية، فإلغاء حالة الطوارئ والسماح بالتظاهر، هذا إضافة للحالة الموجودة حاليا، ستشكل عاملا أساسيا في أي تحضير للمرحلة القادمة، وبالتأكيد من الصعب التفكير وفق الصورة التي نملكها الآن بأن مجلس الشعب سيكون على نفس السياق، وكان الرئيس بشار الأسد واضحا في اعتبار التظاهر أمرا واقعا وحالة عادية في كلمته امس، فالمستقبل ربما لا يسمح بنفس التقسيم الحالي لمجلس الشعب، وهو ما يعني أن فئة المستقلين لن يبقوا بنفس موقعهم وربما نشهد وجود طيف سياسي جديد، وخارطة الطريق ربما تبحث في العلاقة ما بين احزاب الجبهة والأحزاب القادمة، ومن الصعب التكهن في هذه اللحظة حول نوعية الاجراءات التي يمكن أن تتخذ وهل يتم تأجيل الانتخابات إلى حين تبلور قانون الأحزاب، كل هذه الأسئلة على ما يبدو مطروحة اليوم ليس امام الدولة او الحكومة بل على كافة الشرائح الاجتماعية.

الثاني هي طبيعة الاحتجاجات وقدرة من يقومون بها على بلورة حركة أو تيار وليس البقاء فقط في حالة انفعال شعبي يحمل مطالب ولا يستطيع أن يطرحها من خلال إطار غير رسمي ولكن بشكل يقيم فرزا واضحا ما بين حق التظاهر والقدرة على طرح مقترحات وبرمج بشكل ممنهج، بالتأكيد فإن المحتجين قلوا او كثروا سيتحدثون عن عدم وجود تمثيل لهم وأن التظاهر هو الذي يضعهم على الخارطة السياسية، لكن الحراك السياسي عاجلا أو آجلا يجب أن يتبلور أمام الشعب السوري حتى يعرف من يختار، والاحتجاج الآن موجود على الخارطة الإعلامية فقط ولم يخلق حراكا سياسيا لنفسه فهل هو قادر على ذلك؟ هذا هو السؤال المطروح اليوم حتى ينعتق المحتجون إذا أرادوا من أي دائرة لا تمثلهم، مثل المعارضة في الخارج على سبيل المثال، أو حتى يثبت الادعاء بانهم يمثلون شريحة الشباب على سياق الثورة المصرية مثلا، وإلا ان يحصل هذا الأمر فإن الاحتجاج سيبقى ملتبسا وستبقى شعاراته وسقف مطالبه معرضة لاحتمالات مختلفة.

الثالث هو غرف البث المباشر وما يرافقها من تقارير عن أجندات أو حتى مؤامرات، فهذه الأمور لا يمكن المرور عليها وكأنها حالة عادية أو "مزورة"، فالاستجابة الإعلامية للحدث السوري لا توازي أي استجابة سياسية أخرى داخلية أو خارجية، وهو ما يطرح تساؤلات متعددة حول طبيعة تحرك المعارضة السورية في الخارج، على الأخص أنها الوحيدة التي تحتكر التمثيل، ومعظم تصريحاتها تنقل نحو مساحة الإرباك السياسي، فالحديث عن السرعة والتسرع والوعود لا تعفيها من التوقف عن احتكار الحراك، أو للتحدث صراحة أنها هي صاحبة هذا الحراك، وبالتأكيد هي لن تتجرأ على مثل هذا الأمر، فالمعارضة في الخارج لا تستطيع ادعاء النزاهة لن حركات سياسية موجودة على ساحة احتكاك ليست سورية ومضطرة للتعامل مع مختلف الدوائر السياسية، وتاريخها القريب لا يعطي صورة مقبولة لها.

الجلاء في هذا العام يكتسب هذه المساحة الخاصة التي تبدو فيها سورية متفاعلة مع تاريخها الحديث، فالمسألة ليست خوفا من الاحتجاجات أو حتى تحسبا من ان تطير الوعود التي طرحتها الدولة، فهناك تفاعل لا بد أن يحدث اليوم بالذات كي نرسم صورة قادمة لسورية.