الكاتب : نضال الخضري

هو الإهمال بكل ما يحمله من صور متناقضة أو حتى من جلد الذات.. إهمال في رؤية الأجيال التي نشأت ونحن نراقبها وكانها تعيش خارج مساحة الوطن، وربما من غير ان ندري ضاعت من أيدينا ونشاهدها اليوم غما تتفرج أو تنفعل دون القدرة على الحراك او التحرك، فالصورة ليست ملتبسة لكنها غير قادرة على إيجاد او خلق مساحتها.

إهمال تطور بقدر تطور حب الوطن أو رؤيته بعاطقة تكبر بنا كلما ابتعدت الذكريات عنا، وربما يتصاعد منا شغف بالحديث عنه كلما تعرفنا على محيط الأزمات الذي يقع به، ولكننا نقف أمام حدود تلك الأجيال الموجودة أمامنا اليوم، فهل تركناها لمتعتها في بناء ذاتها، أم اننا ابتعدنا حتى لا نتحمل مسؤولية الفشل لأننا نشك دائما بالنجاح؟!

أسئلة لا تنتظر الإجابة فعندما "تٌجرح" الأجيال يصبح من الصعب التوقف لمداواتها وعلينا دفع الثمن، فهي تقف اليوم للبحث عن طريق وتريد تجاوز المحنة رغم أننا كنا نعتقد أنها في مثل هذه اللحظة ستخلق تاريخا فريدا.

أكبر ويكبر الوطن في قلبي، ويتقلص إلى حجم نقطة الضياع الموجودة أمام أعين أجيال شابة ربما تظاهرت أو جلست خلف الشاشات أو راحت تبحث عن صور مستقبلها، لكنها بالتأكيد تريد "مكان المسؤولية" خارج الروايات التي تنهمر علينا مثل عاصفة الصحراء، فلا نستطيع الرؤية أو الحراك... ويصعب علينا تحديد المواقف لكننا نعرف شيئا واحدا أننا نخلف تركة ثقيلة لأجيال ولدت ورافقتنا في مسيرة خيبتنا.

هل اندم للحظة على فرحي لرؤية الثورات العربية؟ هو اختبار آخر عاشته أجيال الإحباط فهل استطيع التحرر منه؟ وهل يمكنني النظر إلى بناء يتم إنجازه بقفزة سحرية؟ أسئلة مستحيلة تضعنا أمام الخوف الذي لا يدع مجالا للإبداع، لكن الوطن عندما يكبر معنا نعرف أن لحظة الرعب تستدعي الحراك.. تتطلب البحث عن مخرج للأجيال بدلا من التظاهر بأننا تنبأنا سابقا بأن أمرا ما سيحدث فالمطلوب هو أن نعرف ما هو الطريق لما يحدث.

"عم أكبر وتكبر بقلبي"... أكبر خارج أغنية فيروز وربما أحمل نفس حزنها ولمنه أقرب للإشفاق على مشهد نركناه يسير مراهنين فقط على "الوطن"... ومتشبثين بالإرث التراث... "عم أكبر" بعيون أجيال تنتظرنا كي نفسر بدلا من أن تتحرك أو نحركها نحو رؤية أنفسها، فلا التاريخ يفيدنا في هذه اللحظة، ولا روايات الفضائيات فالثورات لا تحوي منظرين يتحدثون من وراء البحار أو خلف الكاميرات، لأنها تتطلب تغييرا اجتماعيا... وربما دفعا قسريا للشباب ليفكروا أنهم مجتمع واحد قادر على خلق مؤسساته "ببيئة ثالثة"... بيئة تعرف أن مسألة التظاهر أصبحت صورة غير كافية لأنه لا بد من "مسار" جديد يرسم كيانا اجتماعيا يعرف تماما ما يريد، ويعي أنه أمام واقع لا بد فيه من الابتكار وأن الغاية ليست استبدال سياسة معينة بنمط آخر بل مؤسسات قادرة على تنظيم الجهود... أكبر وتكبر في قلبي... وأعي أن علينا دفع تلك الأجيال لطريق ثالث أو بالأصح لبيئة ثالثة.