الكاتب : نضال الخضري

ليست هناك تقارير ولا معلومات مؤكدة، وليس هناك سوى صلوات ممزوجة بنوع من الندم على عقود مرت، فالجمعة العظيمة كانت قبل أيام التظاهر، وهي تملك صورا متعددة وتنقل بي إلى مساحات من الحضارة والقيم، وهي أيضا جمعة يمكن أن تسكن في داخلي فأعرف أن السماء تمطر عادة في نفس ذلك اليوم، وأنها تخرج من التقويم الذي يمكن أن نبتدعه اليوم.

جمعة عظيمة لكنها قلقة وتحمل ذلك التوتر الذي ينتقل من أسبوع لآخر ونحن نراقب، ولكننا أيضا نحاول المشاركة أو ندفع من "العمر" سنوات إضافية بينما لا نستطيع التأثير طالما أن الإعلام يملك نموذجا واحدا معمما، فهل حقا "هرمنا"؟! أم أن تلك الصورة المنقولة عبر فضائية الجزيرة للكهل التونسي أقنعت الجميع بأننا بالفعل فقدنا زماننا وأن على الآخرين أن يتعاملوا معه؟!!

ما أعرفه أن "الهرم" و "الشيخوخة" ربما تقعدنا فيزيائيا لكنها في كثير من الأحيان تحمل توقدا في العقل... ربما هرمت الأفكار أو تهاوت النظريات.. وربما بدت علاقاتنا وكأنها دائرة مغلقة لكن الجميع بقي يحاول، والمسألة على ما يبدو أن نموذج الانفصال الذي قدمه "الكهل التونسي" هو صورة إعلامية بامتياز، لأننا نتذكر كلمته "هرمنا" وننسى فعله الذي أضاءت عليه نفس الفضائية.

ربما أعجز عن الهرولة كما كنت أفعل قبل عشر سنوات، لكن كم من الشباب مستعدون اليوم للهرولة، أو بمعنى عمق لتحمل تعب "التحول الثقافي" المطلوب، وكم من النشطاء والمحتجين والمتظاهرين قادر على الانطلاق بعيدا في مساحة الخيال لرسم صورة جديد لسورية؟!

ما يحدث ليس مقاطع مصورة يتم إنتاجها في استوديوهات أنيقة لأننا نتحدث عن سورية، وإذا قال أحد من السوريين "هرمنا" فإن لهذا "الهرم" رواية طويلة ربما أنجبت أجيالا، وما يمكن أن يحث ليس "صراعا" داخل فئات عمرية لأننا إذا كنا أمام ثورة حقيقية فنحن لا نستطيع الحديث إلا عن تواصل تاريخي يشهد في لحظة تحولا تاريخيا أيضا يقفز بنا إلى مساحة من الإبداع وليس إلى تكرار مشاهد مصورة.

غدا الجمعة العظيمة برؤيتها الدينية، وكوننا مجتمع واحد لا يحتاج إلى تأكيد من قبل شيكات التواصل الاجتماعي، فلو لم يتم اتهام السلفيين بأنهم يمارسون دورا ما في تلك الاحتجاجات؛ هل كانت هذه التسمية ستظهر؟ ربما لم نعد بحاجة لتسميات بل لأفكار لأن ما نملكه اليوم منها هي بالفعل "هرمت" وتحتاج لإبداع حتى لا نخلق نماذج تحاول أن تقارب الآخرين فقط بالشكل.. جمعة ستكون عظيمة حتى ولو كنت أراقب بقلق ما يمكن أن يحدث غدا.