الكاتب : نضال الخضري

قبل يوم الجمعة نحاول أن نستقرئ، لأن الكلام في بعض الأحيان يخرج عن إطار ما هو متوقع، وتصبح التداعيات شكلا مختلفا يقودنا نحو مسارات لا نريدها، فنحن أمام اختبار حقيقي على امتداد أسبوع كامل، ونحن نبحث خلال ساعات الهدوء (النسبي) تفاصيل ما يجري، وربما لا نجد سوى صورة واحدة: ففي كل ما حدث هناك صورة سورية يجب أن ترسم، حتى ولو كانت النظار تتجه يوم الجمعة إلى حركة "التظاهر"، فما هو طبيعي هو أن يتفاعل المجتمع، أما المسار القلق فهو أن تظهر سورية وكأنها تخضع لقانون يتم وضعه "افتراضيا" ثم تتناقله وسائل الإعلام.

القضية سورية بامتياز لأن الوجه القادم لبلدنا عليه مواجهة الأسئلة الصعبة التي تتجه للمستقبل، وعليه معرفة نوعية هذا المجتمع الذي يتنقل منذ الاستقلال وحتى اليوم من رؤية سياسية إلى أخرى، فنحن ندخل كل عقد من السنوات مرحلة اختبار متعددة الوجوه، ونبدأ في رسم خطوط تنتهي بشكل سريع ليعود المجتمع إلى صورته الأولى، فهل هذا ممكن اليوم؟

المسألة ربما كانت خارج "نطاق التظاهرات"، لأن أي احتجاج هو في النهاية جزء من "الحركة"، أو حتى نتيجة مرحلية عليها أن تقودنا إلى رؤية جديدة، فما يمكن البحث فيه هو تلك الخارطة الاجتماعية التي بدت قبل شهر ونصف تقريبا متفاعلة مع حراك المنطقة ككل، لكنها متصالحة مع نفسها، ثم بدأت تترقب وكأنها تسمع للمرة الأولى أن صفحات التواصل الاجتماعي قادرة على الدخول إلى مجالات ممنوعة، أو لـ"الدعوة للتظاهر"، بعدها انتهت تلك الصدمة وأصبح الفيس بوك حالة مرافقة للمواطن السوري حتى ولو لم يتعامل معه، فالفضائيات تبرعت لتضعه بالصورة، وربما قدمت له أكثر مما يريد من خلال اعتماد هذه الصفحات كمصدر رئيس للمعلومة.

"نطاق التظاهر" كان نافذة التجربة السورية لكنه أدخل كل المواطنين في حسابات وقراءات لم يعهدوها، فهم شاهدوا صورا حقيقية وكاذبة، واستمعوا لشهادات لم يتوقعوها، وذلك بغض النظر عن صدق الشهادة أو كذبها، وفي الخلاصة كان المواطن السوري ساحة المعركة وليس طرق المدينة وساحاتها، على الأخص إذا قارنا عدد المحتجين أو المتظاهرين، بعدد من هم قادرين على التظاهر لكنهم فضلوا عدم المشاركة لأسباب متعددة.

الصراع على المواطن يبدو هو الأساس الذي استندت عليه "الحملات الإعلامية" و "الحرب الافتراضية" وحتى حركة المطالب الحقيقية، وهذا المواطن في النهاية وضع داخل الاختبار الصعب على الأخص أن الحدث السوري فاق بسرعته ما كان يتوقعه أي محلل سياسي أو خبير أكاديمي، وإعادة الاتزان اليوم ليست مهمة إعلامية لأن المواطن يحتاج بالفعل لأكثر من مجرد إعلان المواقف أو التفضيل بين الروايات، هو يحتاج إلى المسار الاجتماعي والسياسي الذي يجعله "مواطنا" بالمفهوم المعاصر، فيتحرك كإمكانية اجتماعية حقيقية، ويدخل إلى ما حدث من بوابة "القضية السورية" وليس من نافذة الصراع الإعلامي أو الرهانات على الخيارات السياسية المسبقة والتي بدأت بشكل مبكر وربما قبل أن تنشط الصفحات الاجتماعية باتجاه هذا "المواطن".