الكاتب : مازن بلال

دمشق - مازن بلال

بدا المشهد الداخلي السوري هادئا، بينما خيم على الأجواء إيقاع مختلف ترافق مع العقوبات الجديدة التي فرضها الاتحاد الأوروبي على سورية، وفيما اعتبر المعلم أن "العقوبات الجديدة تمس الشعب السوري وليس الدولة ورموزها فقط"، فإن بيانا رسميا سوريا رأى في هذه القرارات "تدخلا سافرا" بالشأن السوري الداخلي "ومحاولة زعزعة أمنها والهيمنة على قرارات ومقدرات شعبها في حاضره ومستقبله."

وتأتي العقوبات لتزيد من تعقيدات المشهد السوري عموما، حيث بات واضحا أن خريطة التظاهر لا تملك أي إمكانية للتوسع او الانحسار، وأن أهدافها متعلقة بحالة استنزاف مستمرة سواء بالنسبة للمجتمع أو حتى لممكنات الدولة، وفي المقابل فإن العقوبات تسعى لمنح "حركة الاحتجاج" مساحة إضافية، على الأخص ان السيناريو الدولي يملك مقارباته الخاصة التي تريد "نموذجا" يشبه طريقة التعامل الدولي مع إيران، بحيث يتم محاصر "السياسة السورية" تحديدا.

وإذا كان وزير الخارجية السوري ركز في لقائه المتلفز أمس على تأثير العقوبات على المواطن السوري، مستبعدا ان تؤدي مثل هذه الإجراءات إلى أي تأثير واضح على السياسة السورية، فإن خيارات دمشق تتجه نحو حسم الموضوع بغض النظر عن أي بعد خارجي، فتضييق الهامش السياسي أمامها يضعها على "محك" الإصلاحات التي قررتها سابقا، وفي نفس الوقت رفع إمكانية إحداث تحول في المشهد السياسي من خلال بعض القوانين الجديدة التي يتوقع صدورها قريبا.

لكن الصدام الدولي مع سورية حسب بعض المصادر يتجه في ثلاث محاور:

الأول رسم افتراضات مسبقة بأن سورية ستتحول بعيدا عن المعادلة السياسية القائمة داخليا، فالأوروبيون والولايات المتحدة لا يملكون حوارا مفتوحا مع الداخل السوري، بينما هناك معارضة خارجية لها اتصالات وثيقة مع مراكز اتخاذ القرار، والمشهد السوري دوليا لا يتم رسمه بناء على المعلومات الداخلية، ولا حتى على الشاهدات التي يقدمها بعض النشطاء السياسيين على الفضائيات، بل هناك لقاءات في الخارج السوري تتم بشكل دوري لرسم ملامح سوريا لاحقا، وهو أمر لا يبدو غريبا طالما ان الأمر مرتبط بـ"حصار للسياسة السورية".

الثاني تفكيك سورية كـ"منظومة سياسية" وليس كـ"نظام سياسي"، فالمطلوب على ما يبدو كسر العقدة السورية التي كانت قبل اندلاع الأحداث الأخيرة نقطة ارتكاز لكل الأزمات، واستبدالها بعاصمة أخرى، ويبدو الخيار اليوم بالنسبة للأوروبيين والولايات المتحدة مفتوحا على مساحة جديدة بعد أن تفككت عقدة المحاور السابقة في الشرق الأوسط، فلم تعد قطر وتركيا على سبيل المثال نقاط ارتكاز في التوازن الإقليمي، بل هي نقاط تأثير إلى إعادة رسم هذا التوازن بشكل مختلف كليا.

الثالث إعادة رسم ما كان يطلق عليه "الجبهة الشرقية" مع "إسرائيل"، فصحيح أن جبهة الجولان هادئة لكنها في نفس الوقت تشكل العقدة بالنسبة لأية عملية تسوية قادمة، بينما تعتبر الجبهة اللبنانية منطقة انفجار عسكري محتملة، وهذه الجبهة الشرقية لا تحتاج لمواقف سياسية جديدة من سورية ولبنان فقط، بل أيضا لمحاولة تكسير الجغرافية - السياسية للبلدين على نفس الطريقة في العراق.

النقطة الجوهرية في العقوبات الجديدة أنها حسمت سلفا الخيارات الإستراتيجية بالنسبة للمعارضة السورية في الخارج على الأقل، لأنها قطعت أي احتمالات أخرى على المدى المنظور لتتطور المعارضة السورية في الداخل والتي قال عنها وزير الخارجية الإيطالية فرانكو فراتيني مساء أمس أنها "معارضة غير منظمة" موضحا أن الكثيرين يتسألون "عن من هم أولئك الذين يعارضون نظام الأسد".