الكاتب : نضال الخضري

هناك "صفعة إعلامية" تفاجئنا يوم السبت، وهي إعلامية لأنها تبدو وكأنها تأتي لنا من غير العالم الذي نحياه، وتملك أيضا "سمة درامية" علينا الاعتراف بها، لأننا في النهاية أمام رسم تصور ذهني يريد أن ينحت بنا أمرا أكبر من القلق، ووقائع تجعل من المدينة الواحدة مجموعة أحياء.

دمشق كما تعرفنا عليها إعلاميا في أسابيع التظاهر هي أحياء متفرقة، ووجوه منفصلة، وهي في الفضائيات أسماء تبدو وكأنها انشقت عن الاسم الحقيقي للمدينة، فمادامت المهمة وضع العناوين الإعلامية في المقدمة فإن المبررات تبدو مقبولة بالنسبة لمن يرسموا سياسات التحرير، وبعدها ليس مهما عدد المتظاهرين وطبيعة الدم الذي سال، لأن المباهاة تبدو في الرقم الذي يعلنه أي شخص موجود ربما خارج سورية لرعاية حقوق الإنسان.

مسألة الرقم لا تبدو معقدة في الحدث السوري، فالحديث عن الآلاف سهل، وإعلان أرقام الضحايا أسهل، بينما تبدو الروايات وكأنها مزيج "النوادر" التي تتوافق مع الصورة المأخوذة من مواقع الإنترنيت، وما يمكن ان ندافع عنه من مواطنة أو حرية أو بالمعنى العام "سورية" التي نعيش فيها سيصبح أمرا هامشيا أمام التحدي الأساسي الذي يخوضه الإعلام.

التعليقات على الفيس بوك لا تختلف، فالبعض وعندما يستيقظ ومع فنجان قهوة الصباح يستطيع ان يرسم صورة دمشق وفق هواجسه، فيتحدث عن حواجز ورجال امن، وبعد ساعة عن ثمن الحرية، وبعد خطبة الجمعة عن الموت المزروع في الأزقة، فهل يرضي هلوساته أم أنه يضع للتاريخ مادة سيصعب على الباحثين التدقيق فيها؟ سؤال لا معنى له مادامت الوقائع يمكن أن تٌرسم إعلاميا وافتراضيا، ثم تسير الحياة بشكلها الاعتيادي وسط "تشويش" التصريحات لتسميات ستدخل بالتأكيد تاريخ الخطاب السياسي والإعلامي، ابتداء من ناشط حقوقي إلى ناشط سياسي وصولا إلى ممثلي السياسة في الخارج بكل ما يحملونه من رغبات تظهر خارج السياق العام، لكنها تٌقحم لتزيد من عنف المعارك المحتدمة على الفضائيات وعلى المساحات الافتراضية.

في إرث الصحافة وفي تاريخ الكتاب هناك مصطلح "الأوراق الصفراء"، وفيه اشتقاقات متعددة للصحافة الصفراء وغيرها، لكن في الانترنيت ربما يصعب إيجاد مثل هذا المصطلح، لأنه من الصعب حتى الآن دراسة المحتوى المقدم على الأقل في الحدث السوري، ومن الصعب تتبع من يضع كلماته وكأنها "أية كريمة" في "سفر الحدث السوري"، كما أننا لن نستطيع معرفة "أسباب النزول" لهذه الكتابات كونها لا تملك لا جغرافية ولا زمان خاص بها، وينطبق الأمر على الفضائيات التي تبدو الصورة فيها اختلاطا لونيا وجغرافيا يصعب التمييز فيها بين خيال المصور والوقائع التي تجري....

في النهاية السوريون أمام وقائع.... والملل يعصف بنا من رتابة شكل التظاهر بعد أن كان القلق سيد الموقف، فلا شيء يمكن أن يكون حقيقيا أو حتى إبداعيا... فقط انطباعات مجانية وتظاهرات إعلامية.