الكاتب : نضال الخضري

هي ليست قضية مصالحة وربما ليست أيضا مشاركة، فالحوار الوطني الذي نسمع عنه اليوم ربما يحمل في عمقه اعترافا عاما بأننا غير قادرين على تقديم تصورات منفصلة، فبعد شهرين من الضغط على الأعصاب والأنفاس فإن القيمة النهائية يمكن أن تظهر بقدرتنا على التقابل والمواجهة والاعتراف بأن كل واحد منا لا يستطيع أن يحتل مكانا في الوطن، بل من واجيه وحقوقه أن يغير هذا الموقع بشكل دائم... مجازيا بالتأكيد.. فالحوار لا يحمل مطالب ولا حلول بل اتفاق مشترك على أن هناك أزمة مسؤول عنها الجميع، والأسئلة الكبرى تأتي بعد هذا الاتفاق.

اليوم يظهر الحوار على مساحة من الآراء، وهو ما بين الرفض الكامل من البعض والقبول التام من الآخرين فإننا نقف أمام "الحوار" بذاته، فهل نحن بحاجة لحوار من أجل إقرار مبدأ الحوار! وهل الطاقة المستنفذة على شبكات التواصل الاجتماعي أسهل من المجابهة العلنية؟! لا أعرف بالضبط المنطق الذي يحكم كل طرف معني بهذا الحوار، لكن بعض الانطباعات توحي بأن المجابهة عبر الحوار ستحمل معها سقوطا لكثير من الأوهام، وهو أمر يريد البعض التخلي عنه رغم أنه لم يشارك لا في الاحتجاجات ولا حتى في صدها.

لماذا نظهر وكأننا محكومون بالفشل مسبقا؟! ولماذا يصر البعض على اعتبار أي خطوة وقبل أن تبدأ هي مساحة اختبار؟! بالفعل عندما يبدأ الحوار فإن الاختبار الحقيقي سيظهر سريعا، لكن أن تصبح المشادات على الإنترنيت والمقالات الموزعة على الصحف هي المقدمة لهذا الأمر فإننا بالفعل نقدم مسبقا تشتت الإرادة التي تسعى للخروج من الأزمة باتجاه المستقبل، والأمر هنا لا يخص "أطراف المعارضة"، بل كل من يسعى للمشاركة أو حتى من يدعو إليها ويقوم على تنظيمها.

من الصعب الدخول في هذا الحوار دون نسيان الحدث، ومن الصعب أيضا بناء الثقة بسرعة ليس بين السلطة السياسية والآخرين، بل بين "الآخرين" أنفسهم المتفقين على "ما لا يريدون"، لكن ما يرغبون في تحقيقه هي المساحة الأساسية لبناء الثقة، فهل سنجرب هذا "الحوار الوطني".... لا شك أنها مغامرة بالنسبة للجميع وعلى الأخص بعد استخدام الساحة الافتراضية التي تتيح قول ما نريد وشطب ما لا نريد بسهولة ودون عناء، لكن عندما نقرر "الحوار" عندها لا نستطيع أن نقوم بـ"block" على أي آخر لا يتفق مع مزاجنا الثقافي.

هل هذا هو السبب في تأخر الحوار أو الحديث عنه؟ ربما لكنه اليوم مطروح وبقوة على الأقل عند البعض، ومرفوض بشراسة عند الآخرين، وإذا انعقد عندها يبدأ المشهد السوري بتركيب خلفية حقيقية له وذلك بغض النظر عن المواقف المسبقة.