الكاتب : مازن بلال

المقاربة بالعلوم الفيزيائية تبدو ممكنة في ظرف يتم الحديث فيع عن "ثورات"، أو ربما انتفاضة أو احتجاجات، على الأخص أن المقاربة تتجه دوما نحو "نموذج الثورة الديمقراطية" حسب تعبير البعض، والواضح انه حتى اليوم لم نصل لنتيجة واضحة بخصوص المساحة التي يأخذها الحدث السوري، فهناك نوع من التقييمات التي تنقلها الجرائد (كما نقلت صحيفة الأخبار) أو التحليلات "الطائرة" عبر الفضائيات.

في كل الأحوال فإننا لا ننطلق من حجم الحدث بل من وقوعه، سواء كبر حجم المحتجين او تضاءل، وسواء ترافقت الاحتجاجات بعنف مسلح، أو أنها بقيت هادئة دون ضحايا وجرحى، ففي النهاية نحن أمام تحولات منذ منتصف شهر آذار تحمل بذاتها دعوة عامة للتفكير بأشكال التعبير التي ظهرت وربما بالتغيير الذي طرأ على المجتمع، سواء عبر الإصلاحات التي تم إدخالها، أو نتيجة التأثر المباشر بـ"حركة الاحتجاج".

عمليا فإنه حتى استخدام مصطلحات من قبل "الإصلاح أو "الثورة" ربما يبدو غريبا على الحدث، لأنه يحمل مقاربات محددة بينما الحالة المستجدة لا تملك أي قياس، وهي سارت باتجاه "لاخطي" (nonlinear) لأن مؤثراته وإن بدت طفيفه لكنها أدت في النهاية إلى نوع من الفوضى في التفكير، ووسط تسارع الحدث فإن الكلام السياسي يبدو وكأنه خارج سياقه وهو أمر مفهوم نظرا لأن حالة التشويش هي التي غلبت على تقلبات "الاحتجاج" أو حتى "الإجراءات" الحكومية.

وبالتأكيد فإنه ومن بداية الحدث كان أي تحليل يسعى لرفض المقاربة مع أي حدث عربي مرفوض، نظرا للزخم الإعلامي الذي واكب "التظاهرات السورية"، وأصبح من العسير محاولة إيجاد خط فكري لما يجري لأن مثل هذا الخط سيهاجم من جميع الأطراف سواء على أنه هروب من الاستحقاق الديمقراطي، أو محاولة إعطاء شرعية لتصرفات الحكومة تجاه التظاهر، لكن في الحقيقة فإن الظاهرة معقدة وربما لا يحتاج المواطن السوري لم يقنعه بأن الخيار الديمقراطي هو الخيار الصحيح، لكنه كان قلقا من طبيعة المسار الذي يمكن أن يقوده باتجاه ليست بالضرورة ديمقراطية.

من هنا تبدو دراسة الظاهرة ضرورية على الأقل من أجل رسم رؤية، وعندما نتحدث عن حدث سوري "لاخطي" فإننا نركز على ثلاث أمور أساسية:

•- صعوبة إيجاد منظومة لتطور الحدث، وبالتالي فإن انعكاس الإصلاح أو الاحتجاج يصعب حسابه بدقة، مما يفترض "ورشة أفكار" حقيقية للبحث في تداعيات أي إجراء رسمي أو شعبي.

•- عدم القدرة على وضع تحليل نمطي لمسار الحدث السوري، فعندما يتحدث البعض عن طبقة وسطى حاملة لأي تحول ديمقراطي، وهذا الطبقة التي أسماها عبد البار عطواني في إحدى مقابلته بـ"البرجوازية المتحالفة مع السلطة"، واتهمها عزمي بشارة بأنها من أبناء المدن الذين لا يريدون التخلي مع مكاسبهم، فإننا وفق هذا التحليل نسقط المصطلح على نموذج أوروبي مرسوم بوضوح فهل الطبقة الوسطى في سورية واضحة المعالم.

•- الثالث أن ما يحدث في سورية ليس فيه حامل فكر كما في أي ثورة، وفي المقابل لم يقدم "حاملا شعبيا" كما حدث في مصر أو يحدث في اليمن، والانحراف الأساسي في المجتمع السوري ليس بسبب "القسوة الأمنية" حسب بعض تحليلات قناة الجزيرة، بل لأن التداخل ما بين السلطة والمجتمع مختلف عن أي نموذج آخر، سواء أعجبنا هذا التداخل أو لم يعجبنا. في الحدث السوري اليوم ظاهرة تسير بمقدار كبير من التشويش، وربما من عدم القدرة على رسم الموقف من المستقبل، حيث يتم ترك إجراءات الإصلاح لترسم تداعياتها، وفي المقابل فإن من يحرض على الاحتجاج يعتمد على نفس الأسلوب فالزمن يرسم أحداث غير متوقعة، وفي النهاية فإن الرؤية لا يمكن أن تظهر إلى بالعودة لقراءة الشهرين الماضيين للوصول على الأقل لخارطة الحدث قبل الحديث عن "الإجراءات" أو "المطالب".