الكاتب : نضال الخضري

هناك مساحة غامضة كلما حاولنا البحث في مسألة "الأحزاب السياسية"، والمشكلة أننا أسرى تشكيلات سياسية تقليدية لا نعرف بالضبط كيف يمكن أن تواجه "التحولات" التي عاشتها منطقتنا إجمالا، وهي تشكيلات حملت معها مشاريع تحول اجتماعي وبنت نظامها الفكري على هذا الأمر... فهل مازالت تريد هذا التحول؟!

السؤال مشروع قبل ظهور قانون الأحزاب لأن الحركة السياسية السورية شهدت بعد الاستقلال صعود تلك الأحزاب "الانقلابية" بالمعنى الاجتماعي على حساب "أحزاب الانتخابات"، ومن الصعب اليوم التفكير بأحزاب انتخابات على نفس سياق حزبي "الشعب" و "الوطني"، كما أن سياق الأحزاب الإيديولوجية يبدو مبهما أيضا بعد جملة التطورات في العلوم السياسية والاجتماعية، وربما انهيار منظومات سياسية.

بالتأكيد فإن أي قانون للأحزاب لن يكون مسؤولا عن خلق حالة التفضيل السياسي بين التيارات، فهذه ليست وظيفته، ولكن التفكير المسبق ربما سيحدد نوعية الحراك الذي يمكن أن يولد أحزاب قادرة على التعامل مع المعطيات المعاصرة، ويضمن أيضا تفعيلا للعلاقة ما بين المجتمع والتيارات السياسية.

والمقصود هنا ليس القانون بذاته بل عملية إغناء، فعندما نتحدث عن أحزاب فنحن أيضا ننظر إلى خارطة "الجغرافية - السياسية" السورية، وإلى شبكة المصالح التي تحكم شعبها وربما ترسم طموحاته المستقبلية، وربما الغريب أن لا يشغل هذا الأمر صفحات الجرائد وبرامج الإعلام، ولا يشكل جوهر برامج الحوار على المحطات الفضائية... فهل هناك ازمة ثقة أم "تصور"؟! وهل الأمر يعني فقط النخب السياسية؟

أحاول ان أجد مبررا لبقاء هذا الموضوع خارج أي جدل، وعلى الأخص من الأحزاب الموجودة أساسا سواء داخل الجبهة أو خارجها، فهل هي قادرة على رسم مصيرها المستقبلي في ظل تنافس حزبي بشروط جديدة!

والسؤال الآخر كيف ترى هذه الأحزاب برامجها السياسية مع تعقد الأمور وتطور المسائل الداخلية؟!

أسئلة لا بد من طرحها ولمكن على ما يبدو مؤجلة بشكل دائم، فحتى قانون الحزاب نفسه لم يشهد تصورات في المساحة الإعلامية، ولا ورشات عمل داخل الأحزاب القائمة أو تلك التي تريد أن تجد لنفسها شرعية في ظله، فهناك مساحة لا نريد أن ندخلها لأنها تحمل استحقاقات، وربما يفضل البعض الانتظار وجعل مسؤولية الحياة الحزبية في مجال البحث داخل أجهزة الدولة.

عندما نبدأ بالتفكير بالأحزاب عندها تكون الرؤية بدأت بالتشكل، ويصبح الأمر أسهل طالما أن الشريحة الأكبر من المجتمع قررت الانخراط في عملية التفكير المستقبلي، بدلا من ترك تلك المهمة لمجموعة من النشطاء الذي يقدمون تصوراتهم على صفحات الجرائد أو حتى للجهاز الرسمي للدولة الذي يجد نفسه بشكل مباشر أمام "الإجراءات" التي يضعها على شكل قوانين أو إصلاحات.