الكاتب : نجيب نصير

كما أسلفنا هنا على صفحات "سوريا الغد": أن الحوار هو مآل لأي حدث يقع على الأرض مهما كان هذا الحدث جللا أو قاسيا أو مؤثرا، فعلى طاولة السياسة وحدها يمكن حلحلة المستعصي، وتسليك المسدود من المسائل والقضايا، والحوار هو لغة السياسة التي ولجها بنو البشر لتسيير أمورهم بالكتابة والنطق ما يخضعها إخضاعا تاما للعقل المولج هو الآخر في ترتيب المصلحة المجتمعية برمتها، وعليه فإن نجاح مجتمع بالحوار، أو نجاح الحوار يساوي وجود الحوار نفسه وربما أثمن، وهنا تقبع المسألة السياسية التي لا تعني التمثيل الصادق للأطراف فقط بل تعني أيضا التناغم التام مع العقل والخضوع لمنتجاته فالحوار لا يلغي التنافسية بقدر ما يتجاوز التقديرات الاعتيادية للقوة ، بحيث يعبر عن الذكاء المجتمعي وليس عن قوة هذا الطرف أو ذاك مستدعيا أحسن ما في المجتمع من أخلاقيات لتجاوز المحن.

فإذا كان التمثيل الصادق والحقيقي يمثل عتبة للولوج إلى أي حوار مجتمعي، فإن الهدف الحقيقي التفصيلي والمعلن من الحوار هو أيضا واحد من مؤسسات الدخول فيه، لإن دعوة الأطراف ليست مجرد دعوة تشريفية لهم بل أن هذه الدعوة تحملهم مسؤولية إنجاح الحوار للوصول إلى هدفه أي إلى خلاصة قابلة للممارسة والتطبيق، فالحوار ليس مجرد مقايضات سياسية، ولا مناقشات نظرية ثقافية حول السياسة بل هو مسار تحضيري وتصميمي للأداء الاجتماعي المستقبلي وهي بحد ذاتها مسؤولية كبرى. من هنا يحتاج الحوار إلى ضمانات حقيقية تتبنى نتائجه وتفعلها في مكانها وزمانها، وهذا ما قد يسمى خطة عمل أي إجراءات محددة ينتج عنها ورشات عمل، تناقش بتناغم نسقي قضايا محددة ومعلنة يراد الوصول إلى نتائج بشأنها.

الحوار بهذا المعنى ليس تبادل آراء تبريدي أو تنفيسي، بل هو عمل حقيقي يقوم به أشخاص يتميزون برجاحة العقل ولديهم المصداقية الكافية، فالحوار في ضوء الحدث السوري تحديدا مهمة شاقة وثقيلة، لأنه يعني تغيير غير قليل في مجمل الأداء الاجتماعي مستقبلا، فالتجديد الحقوقي المنتظر سوف يغير مسؤوليات المواطن وواجباته تجاه عقده الاجتماعي المحدث، من هنا تبدو طاولة الحوار مثقلة بالمهمات التي تحتاج إلى رجالات عمل عام يستطيعون إضاءة المفاهيم الناتجة عن الإصلاح الذي أنتجته طاولة الحوار.

في نهاية ألأمر يجب عدم اعتبار طاولة الحوار هي طاولة مفاوضات ، ففي المصالح المجتمعية العليا لا يوجد أطراف متنازعة بقدر ما يوجد تنافس على طرح الحل الأجدى لتنفيذ الحق تعريفا وممارسة حسب مستجدات الحياة.