الكاتب : نضال الخضري

مرة أخرى لا يسعفنا سوى الفيس بوك، لأنه يلغي احتكار الثقافة من أيدي رواد المقاهي أو المتحدثين على الفضائيات، وعندما يحاول البعض استدراج الآخرين لحالة الظلم التي يعاني منها المثقفون السوريون فإن علينا الرجوع إلى المدونات وشبكات التواصل الاجتماعي، عندها لن يكون أمامنا سوى الصورة القديمة لريدكالية الثقافة السورية... كيف؟

المدونات السورية وصفحات التواصل الاجتماعي لم تخلق رأيا عاما، هذا إذا كانت صناعة الرأي العام السوري ممكنة في هذه الظروف، لكننا نستطيع رصد المواقف، أو حتى الدخول في عمق ما يراه البعض من الأسماء المعروفة او تلك التي أصبحت ضمن الفضاء الافتراضي تشكل حراكا مختلفا وربما متباينا عن الصورة المألوفة، فالإنترنيت حقق بالفعل قفزة المثقف باتجاه "التعبير الذاتي"، ولكنه تعبير ربما لا يختلف عن أي مواطن يتم تصنيفه خارج "الثقافة"، لكنه في نفس الوقت قادر على رسم تعبيره على صفحات التواصل الاجتماعي بنفس الحدية، فالمدونات السورية أو الصفحات الخاصة قدمت تلك الصورة التي يمكن وصفها بأنها لا تحمل "طيفا"، بل تعيدنا لصراع الأحزاب في الخمسينيات مع فارق بسيط أننا نشهد عراكا دون أفكار، وصراعا يقتصر على العناوين العريضة.

الإنترنيت يخلق "المناخ" ولا يصنع الرأي العام، أو هكذا تم توظيفه في الحدث السوري الحالي، ولا استطيع الجزم في نوعية هذا المناخ: هل هو عام يشمل الجميع أم انه يقتصر على نفس النخبة التي تحاول التعامل مع الفيس بوك على سبيل المثال؟! ليس مهما في هذه اللحظة إجراء جرد عام أو تفصيل الإحصاءات، لكننا نكتشف يوميا أن "الفضاء الافتراضي" لم يغير كثيرا من آلية بناء الموقف، ولم يعيد رسم التفكير بعيدا عن الاستقطاب الذي نعهده في الحياة العامة، فتواقعاتنا بأن الإنترنيت ربما يحدث تحولا ثقافيا لم تثمر حتى اللحظة، بل ربما على العكس لأنها بقدر مازودتنا بآراء، فإنها صنعت أيضا أبطالا من ورق، ونرجسية نلمسها لدى البعض من الطرفين، فلم نعد امام حياة متعددة الحقائق، بل امام فرض الحقيقة تحت شرعية "التواصل الحر".

هو بالفعل تواصل لا يعفي الشريحة المثقفة من تحمل مسؤولية تبديل صورتها، رغم ان الإبداع الذي لم يظهر سابقا لا يمكن أن تكون مساحته على الإنترنيت فقط، وحتى في مسألة الحرية فإنها مازالت تخشى الرقيب الذاتي وليس الرسمي...

من يدعي بأن المثقف مظلوم فليس عليه سوى الدخول إلى صفحات التواصل الاجتماعي، لأن فيها نوعا من الكشف الذاتي لم يريد أن يقرأ بدلا من أن يجمع الأصدقاء ويمارس حرية توزيع المواقف...

ومن يدعي أن المثقف يقف بين طرفي التناقض فعليه العودة أيضا لبعض المدونات وصفحات التواصل الاجتماعي ففيها صورة أخرى... صورة ربما تطابق ما عهدناه من تناقض الثقافة والمثقفين ولكن بأدوات جديدة.