الكاتب : نضال الخضري
رغم ان الحدث لا يتيح التوقف لكن هناك سؤال لا بد من طرحه: ما الذي تبدل؟ بعد ثلاثة أشهر كيف نستطيع تلمس ملامح مختلفة ليس في السياسة وحدها بل في التحرك الاجتماعي أو في القدرة على تميز المستقبل؟ هناك صور كثيرة قاسية رافقتنا، وأسئلة متعددة بعضها بقي دون جواب، ورغم أن الإجراءات الحكومية التي تم اتخاذها متعددة ومتنوعة، لكننا في المقابل علينا مراجع تفكيرنا حتى نعرف "التكوين المختلف" الذي ظهر.
ما الذي تبدل؟ ليس مجرد سؤال عارض لأنه مرتبط مع ظهور قانون الأحزاب على موقع التشاركية السورية، وبغض النظر عن الرأي الشخصي بهذا المشروع لكنه يعيد رسم المشروع السوري من جديد، لأنه سيمثل اللحظة التي سيواجه فيها المجتمع مسؤوليات لم تكن معروفة من قبل، وبالتأكيد فإن التعددية الحزبية كانت موجودة في الخمسينيات، ولكنها متقطعة بالإنقلابات أحيانا وبمسيرة الوحدة السورية - المصرية تارة أخرى، أو حتى بالإخفاق السياسي الذي ظهر نتيجة حداثة التجربة، لكننا نقف اليوم أمام التجربة ومن خلال "اضطرابات" مريرة، كسرت في بعض الأحيان "حيادية" الأشخاص، وأبقت آخرين في موقع المراقب، لكن في النهاية هناك مؤسسات سياسية ستظهر وأعباء يمكن أن تتحملها الأجيال الشابة.
في المشهد السوري ظهرت محاولات كسر "التوافق الثقافي" إن صح التعبير، كانت شوارع المدن السورية مسرحا لهذا التوافق الذي تعيش فيه أنماطا مختلفة بقناعاتها الذاتية، فالمساجد كانت تمتلئ والمطاعم وحتى الحفلات الموسيقية أو صالات عرض اللوحات، ولم تشكل نسبة المحجبات التي ازدادت بشكل مطرد ضغطا على الآخرين، سواء كانوا معتدلين في رؤيتهم للتحرر أو متطرفين، لكن الحدث الحالي سعى لرسم فرز على سياق "النمط الثقافي"، إلا أنه لم يكسر هذا التوافق حتى اللحظة، فالناس تشعر بعدم الأمان لبعض قناعاتها نتيجة بعض الخطابات الموتورة، لكنها لم تتوقف عن ممارسة شكل حياتها ولكن بحذر اعتيادي نتيجة الظرف الذي تمر به البلاد.
بالأمس كان لافتا بعض المجموعات التي استمرت بالتجوال في الشوارع بأعداد مختلفة، وشكلت الواقع السوري إن صح التعبير لأنها "مسيرات" أو مجموعات منوعة من الصعب تمييز قناعات ثقافية أو فكرية داخلها... كانت مختلطة لأبعد الحدود، وبغض النظر عما كانت تردد (هي مؤيدة لأنها انبثقت عن المسيرة الأساسية)، لكنها تقد إصرارا عاما على مسألة هذا التوافق الذي بقي الجميع يحترمه وربما يصر عليه لأنه يعبر عن مسار سوري ليس جديدا، بل هو من صلب الهوية التي ظهرت بها سورية منذ المؤتمر السوري (1918).
مها التكوين المختلف؟ هو يبدو في الحياة التي تتحرك بسرعة، أو في اكتشافنا على أن الاضطراب وصل في بعض المراحل إلى "تهديد الهوية"، وانه في المقابل قدم كل الممكنات للمجتمع والاختبار بيد المجتمع ليس فقط في تكوين أحزابه بل أيضا في قدرته على تطوير "التنوع" الذي نملكه.